فاروق شوشة الذي عشقتُ طلَّته منذ كنت في المدرسة الثانوية، مع بداية اهتمامي بالشعر واللغة العربية الفصحى الرقيقة، الجزلة، الرصينة، العفية، وعبر برنامجه أمسية ثقافية كان فاروق شوشة يوزع بسمته على الشفاه، ونظرته على الأعين، شاعر كبير ومذيع لبق.. وداعًا فاروق شوشة.
كان جميلًا في قوله: "لغتنا الجميلة"، في حديثه باللغة العربية الفصحى مع ضيوف كل حلقة منذ السبعينات، استمعت إلى حلقات برنامجه أمسية ثقافية الأسبوعي، والذي كان يلتقي فيه نخبة الأدباء في مصر والعالم العربي، كان وقت البرنامج لا يتسع لهذا الزخم الذي كان فاروق شوشة يصدره من خلاله.
هذا الزخم، وتلك الإطراءات التي كان يوزعها من خلال برنامجه جعلت عشاق اللغة العربية وجمهورها يودع الرجل في أبهى صورة، وكان الرجل يتبنى فكرًا متحررًا إلى أمد بعيد، فكان يتبنى فكرًا مؤيدًا لدخول المرأة لسوق العمل، وطبعًا لم يكن ذلك يلقى تأييدًا من الجماعات الإسلامية والتيار الإسلامي عمومًا.
البُعد الإنساني في تجربة فاروق شوشة الإبداعية وتجربة جيله يعود إلى حقبة الستينات التي ظهر فيها نجوم الشعر الجديد: صلاح عبد الصبور، وأمل دنقل، ومحمد عفيفي مطر، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، لكن فاروق شوشة كان قوميًّا أكثر، ولعل تجربته الشعرية كانت تدلل على ذلك، ناهيك عن التزامه بالجيم القاهرية عند تحدثه بالفصحى.
وداعًا فاروق شوشة.. كان متأنقًا في ملبسه وحديثه، ولعل هذا ما جعل لهذا الإعلامي روائع تمتد عبر روحه وتغلفها بقشور مذهبة من اللطف في الحديث، والتميز في الإلقاء.. وداعًا فاروق شوشة.
من أروع الكتب التي تركها لنا فاروق شوشة كتابه الشهير "أجمل عشرين قصيدة حب في الشعر العربي"، والقصائد منتقاة من أروع ما قالته العرب في الغزل، أذكر من ذلك قصيدة دالية بعنوان: دَعْد، و"دعد" محبوبة الشاعر التي جعل القافية دالًا من أجلها، بالإضافة إلى تسع عشرة قصيدة أخرى تُعدُّ من عيون الشعر العربي، ونجاح هذا الكتاب جعل آخر يكرر التجربة مع أربعين قصيدة أخرى.
تأثيرات ما قبل فاروق شوشة:
المدرسة التي انتمى لها فاروق شوشة هي المدرسة الجديدة التي كان ضمن روادها صلاح عبد الصبور، وأمل دنقل، ومحمد عفيفي مطر، من جيل الستينات، وقد وضعت أصول هذه المدرسة على أسس وتأثيرات عربية وأخرى غربية، فجاءت الأفكار والأحاسيس والمشاعر عربية، وجاءت التحديثات والتأثيرات غربية.. فالمعادل الموضوعي الذي تكلم عنه الشاعر الأمريكي ت. إس. إليوت هو ذلك المعادل الذي بنيت عليه في الغرب إبان الحرب العالمية الثانية وما تلاها تطبيقات الشعراء الشباب، وما أثروْا به الساحة وما عرف فيما بعد بالحداثة.
وداعًا فاروق شوشة..
وقد عقدت حلقات كثيرة في الأمسية الثقافية في برنامجه الأثير حول شعراء التجربة الحديثة، وكان فاروق شوشة يتكلم وكأنه يمارس دور العابد في المحراب يشير ويعلو صوته ويخفت…
فوداعًا فاروق شوشة.