كانتْ لغتنا العربيّةُ – وما زالتْ – أغنى لغاتِ العالمِ وأعرقهَا بما تحملهُ في جعبتهَا من طرائقِ التَّعبيرِ المتنوِّعةِ، والتي تعدَّدتْ فيها الأساليبُ، وذلكَ بتناغمِ الألفاظِ والتَّلاعب في التَّراكيب، لتنتجَ من ذلكَ نصوصٌ بليغةٌ أخَّاذةٌ، وقد كانَ العربُ قديمًا يتقنونَ تلكَ الأساليبَ بالفِطرةِ، حيثُ كانتْ ألسنتهُم معتادةً على نُطقِ الكلامِ الفصيحِ بطلاقةٍ وبراعةٍ لافتتينِ، دونَ أيِّ تكلُّفٍ، لأنَّ شغفهُم بها كانَ صادقًا ونابعًا من أفئدتهِم، ولذلكَ كانَ للخطيبِ في العصرِ الجاهليِّ والإسلاميِّ مكانةٌ مرموقةٌ لخلوِّ لسانهِ من التَّلعثُمِ وعيوبِ النُّطقِ، حيثُ كانَ يُزاحمُ الشَّاعرَ في مكانتهِ أيضًا.
أبرزِ العيوب التي تواجه نطق اللُّغةِ العربيَّة:
-
الفأفأة: وهيَ ألَّا يستطيعَ الإنسانُ أنْ ينطِقَ حرفَ الرَّاءِ سليمًا، أو حرفَ السِّينِ سليمًا، فلربَّما قالَ (ث) بدلَ السِّين، وبدلًا من الرَّاءِ قالَ حرفَ الغَين.
- الحَبسة: هيَ أنْ تُنطَقَ الكلمةُ بصعوبةٍ بدلًا مِن أنْ تُنطَقَ بسهولةٍ ويُسر.
- اللَّكنة: تُشبهُ الحَبسة كثيرًا، نقولٌ: فلانٌ ألكن أيْ أنَّ في لسانهِ عيبًا مِن العيوب.
- الاِستعانة: أنْ يستعينَ المُتكلِّمُ كلَّما مرَّ عندهُ أربعُ أو خمسُ كلماتٍ بجُملةٍ يُكرِّرها في الجلسةِ ثلاثينَ أو أربعينَ مرَّة.
أما في زمننَا هذا نجدُ أن هذهِ اللُّغةَ الفصيحةَ باتتْ هشَّةً مُتآكلةً، فلمْ تعدْ متَّسمةً بذاكَ الإتقانِ العتيق،ِ بلْ أصبحتْ مجرَّدةً من جماليَّاتهَا وبدأ النَّاسُ يخلطونهَا بلهجتهِم العاميَّةِ المحليَّة، نعمْ بتلكَ اللّهجةِ المحكيَّةِ في الأزقَّةِ والطُّرقات!.
♦ نرشح لك: أهمية اللغة العربية
وهناكَ الكثيرُ مِن الأخطاءِ الشَّائعةِ التي اِنتشرتْ في يومنَا هذا، والتي تركتْ ثغراتٍ وشقوقًا شوَّهتْ لغتنَا، وإليكم بعضها:
- رفعُ الحالِ المنصوبةِ، يقولونَ: (جاءَ الكلامُ واضحٌ)، وصوابهُ: (واضحًا).
- نصبُ أو جرُّ فاعلِ المُثنَّى وجمعِ المذكَّرِ السَّالم، يقولونَ: (وصلَ المدرِّسيَن، وقدِمَ المهندسيَن)، صوابهُ: (المدرِّسانِ والمهندسان).
- يثنُّونَ (أُنثى)، فيقولون: (أُنثتان)، وصوابُه: (أُنثيان وأُنثيين).
- ويثنُّونَ (أُخرى)، فيقولون: (أُخرتان)، وصوابهُ: (أُخريان وأُخريين).
- يقولون: (صارَ فلانٌ حُدُّوثة)، وصوابهُ: (أُحدوثة).
- يقولونَ: (إِنجاص)، والصَّوابُ: (إِجاص).
- يقولونِ: (دُخَّان) بتشديدِ الخاء، وجمعهُ (دخاخين)، والصَّوابُ: (دُخَان) بتخفيفِ الخاء، وجمعهُ: (دواخِن).
- يقولونَ: (الكُلوة)، صوابه: (الكِلية).
- يقولون: (ما رأيتهُ مِن أمس ومن أيَّام)، صوابهُ: (مُذ أمسٍ ومنذُ أمسٍ، ومنذُ أيَّام); لأنَّ (مِن) تختصَّ بالمكان، و(مُذ، ومنذُ) تختصَّانِ بالزَّمان.
- يقولونَ: (هجيتُ الرَّجلَ)، صوابهُ: (هجوتهُ).
- يقولونَ: (لفلانٍ زَيٌّ حسَن)، والمرادُ هو الهيئةُ، والصَّوابُ: (زِيٌّ) بكسرِ الزَّاي.
- ويقولونَ: (ضِفدَع)، وصوابهُ: (ضِفدِع)، بكسرِ الضَّادِ والدَّال.
- يقولونَ: (خِلخَال)، وصوابهُ: (خَلخَال).
- يقولونَ: (فلانٌ كثيرُ الغِيرةِ على أهله)، صوابهُ: (الغَيرة)، بفتح الغين.
- ويقولونَ: (اِمرأةٌ عروسة)، صوابهُ: (اِمرأة عروس)، والجمعُ: (عروساتٌ وعرائِس).
- يقولُُ العوامُ وكثيرٌ من الخواصِ: (الكلُّ والبعضُ)، إنَّما هو: (كلٌّ، وبعضٌ)، لا تدخلهما الألفُ واللَّامُ؛ لأنَّهما مُعرَّفتانِ في نيَّةِ إضافة، وقد نزلَ القرآنُ الكريمُ بذلك، وهو هكذا أيضًا في أشعارِ القدماء.
وما ذكرناهُ ما هو إلَّا قلّةٌ قليلةٌ من عشراتِ الأخطاءِ الفادحةِ الموجودةِ في مُجتمعنا العربيِّ، لكنْ يجبُ علينا العملُ بأقصى جهودنَا على الحدِّ منها وتصحيحهَا وتفاديهَا، كي نعيدَ لغتنَا إلى كيانهَا الحقيقيِّ الذي هو مرآةٌ تعكسُ مقدارَ عظمَتهَا، وحتَّى تصلَ إلى أجيالنَا القادمةِ بصورتهَا الأصيلةِ الخاليةِ مِن كلِّ شيءٍ مُبتذلٍ، والمزيّنةِ بفصاحتهَا وبلاغتهَا.
وهناكَ فرقٌ بينَ الفصاحةِ والبلاغةِ يتمثَّلُ فيما يأتي:
-
الفصاحةُ في اللَّغةِ تعني البيانَ والظُّهورَ والوضوحَ أيضًا، أمَّا البلاغةُ فتعني الوصولَ والاِنتهاء.
- وأمَّا اِصطلاحًا فالفصاحةُ هي الألفاظُ الظاهرةُ المعنى، وتكونُ وصفًا يطبَّقُ على الكلمةِ المفردةِ، والكلامِ، والمتكلِّمِ، أمَّا البلاغةُ فهي مُطابقةُ الكلامِ لمُقتضى الحالِ مع فصاحتِه.
- ليسَ كلُّ كلامٍ فصيحٍ يكونُ بليغًا، وكلُّ كلامٍ بليغٍ هو فصيحٌ بالضرورة.
- البلاغةُ ليستْ مِن شروطِ الفصاحة، أمّا الفصاحةُ فهي شرطٌ أساسيٌّ مِن شروطِ البلاغة.
ومِن الأفضلِ أنْ يتحلَّى كلامُنا بالاِثنتينِ معًا كي يكونَ متكاملًا على الدَّوام، وعلينا ألَّا نستهترَ بالأشياءِ التي تخدشُ أو تمسُّ لُغتنا الجميلةَ، ونتعاونَ بشكلٍ جَدِّيٍّ في الحفاظِ على رونقهَا وأصالتهَا جيلًا بعدَ جيل.
♦ اقرأ أيضاً: الأخطاء الإملائية الشائعة في اللغة العربية