أهمية اختيار القواميس الملائمة في عملية التَّرجمة لأنها من العوامل الهامة جدًا التي من شأنها أن تساعد المترجم بشكل كبير في الحصول على ترجمة صحيحة، حيث إنها توفر له المعلومات بشأن الكلمات، وبالإضافة إلى القواميس العامة لإحدى اللغات، كما أيضًا القواميس ثنائية اللغة وهي التي تسرد الكلمات الخاصة بإحدى اللغات وما يعادلها في اللغة الأخرى.
كما أنه توجد القواميس المتخصصة في علوم ما في مجالات المعرفة المختلفة، وعلى سبيل المثال تلك القواميس المتخصصة في شرح المفردات المتخصصة في المجال الطبي والهندسي والتجاري… إلخ، وهذه بالإضافة إلى القواميس التي تتخصص في شرح الألفاظ العامية والمحلية الدارجة لأصحاب أهل اللغة.
ولهذا لن تستطيع إخراج ترجمة جيدة إلا من خلال الاسترشاد بعدد من بهذه القواميس الجيدة، مع الأخذ في الاعتبار أن الكلمات في الوهلة الأولى تبدو سهلة المعنى، وقد تكون أنها هي السبب في عدم وضوح معنى النص للمترجم، وذلك لأنها أخذت معنى معينًا في سياق غير المعنى الدارج والمعروفة لها، هنا تأتي دور القواميس التي توضح للمترجم المعنى الدقيق منها، وما إن كانت تحمل أكثر من معنى أم لا.
ولهذا القواميس هو من أهم متطلبات التَّرجمة والتي تلهم المترجم المعنى المقصود به في النص، وهي أحد العوامل التي تساعد على تطبيق القواعد الهامة التي تساعد على الحصول على ترجمة جيدة والتي من ضمنها أيضًا:
-
أن تكون التَّرجمة نسخة كاملة طبق الأصل من الأفكار الموجودة في النص الأصلي.
-
مراعاة الاحتفاظ بالأسلوب وطريقة الكتابة بنفس الخصائص عند ترجمة وكتابة المُحتوى الموجود في النص الأصلي.
-
يجب أن تعكس التَّرجمة كل عناصر السهولة والوضوح الموجودة في النص الأصلي.
وتلك هي القواعد الهامة التي يفترض على المترجم اتباعها، وهذا بالإضافة إلى أنه يجب على المترجم أن يكون على معرفة خاصة بالموضوع الذي يترجمه، فمثلًا يفترض أن يكون المترجم على علم جيد باللغة بوجه عام، وأن يكون على غير معرفة بكثير من الموضوعات مثل الفيزياء والكيمياء والهندسة… إلخ، وفي هذه الحالة لا تجدي نفعًا معرفته العامة باللغة التي يترجم لها شيئًا لهذا من الواجب عليه على يكون على علم تام بالموضوع الذي يترجم له لأنها هنا لم تقتصر على مجرد ترجمة من لغة نص إلى لغة أخرى، فهي هنا تتطلب معرفة بالمجال الذي يترجم له، وكما أنه هنا يفترض أن يستعين بأحد القواميس المتخصصة في هذا المجال.
هذا بالإضافة إلى قدرة المترجم على محاكاة النص بنفس أسلوب الكاتب بعيدًا عن أي اتجاهات أو آراء شخصية، من الممكن أن تعارض مبادئه أم لا، حتى وان كانت تثير إعجابه أو يتفق معها، فدور المترجم هنا هو دور الناقل فقط.
ورغم ذلك تُعدُّ هذه المسألة هي أصعب جزء في التَّرجمة، لأن الكثير من المترجمين يصعب عليهم تجنُّب عدم تأثيرهم الشخصي في النص، ما إن كان يتفق معه ويعتنق نفس الأفكار وما إن كان يرفضه، ويحدث ذلك أثناء تفسيره للنص من خلال انتقائه لبعض الألفاظ المعينة والصيغ النحوية المطابقة، وهذا نتيجة تأثيره بالكاتب ومحتوى النص.
ولم يُحتِّم على المترجم أن يضع انطباعه الخاص في النص أو تحريفها لتناسب تطلعاته الفكرية والانفعالية، ولا بد أن يبذل كل الجهد الممكن لتقليل أي تدخل من جانبه لا يتفق مع قصد المؤلف الأصلي والرسالة الأصلية إلى أدنى حد.
ونظرًا لأن لا تحدث مثل هذه الحالات المتعلقة بالتغيُّر غير الملائم للنص الأصلي بناءً على رغبة واعية لتحوير الرسالة أو تحريفها، بل هي تنتج من سمات الشخصية اللا واعية التي تؤثر في عمل المترجم بطرق خفية، وتتضح هذه السمات بشكل كبير إلى الميل بتحسين النص الأصلي أو تصحيح الأخطاء الجلية فيها، والدفاع عن تحبيذ شخصي، وذلك بتحريف ما يختاره من كلمات.
وتختلف تلك المخاطر الذاتية في عملية التَّرجمة مع اختلاف نوع المجال المكتوب به النص، فمثلًا في حالة النصوص النثر العلمية يصل على التدخل الذاتي إلى أدنى مستوى له، بينما يصل عادة إلى أعلى حالته في حالة النصوص الدينية والمقالات الصحفية، والتي في الكثير من الحالات يصعب على المترجم تجنُّب إحساسه الخاص في عملية نقل الرسالة ويشعر بعدم الثقة إلى أن يصبح من الصعب عليه عدم ترك الرسالة تتحدث عن نفسها، وفى حالات أخرى يدفعه الغرور إلى القيام بترجمة دون استشارة آراء الذين درسوا هذه النصوص دراسة وافية رغم جهله بها.
ونتيجة لذلك لم تقتصر العملية على تحويل نص من لغة إلى أخرى ولا الثقافة التامة بأهل تلك اللغتين المستخدمين، بل قد يصل الأمر إلى أنه يجب توافر اتزان نفسي عند المترجم حتى لا يتحور النص ويتحوَّل إلى كتابة نص إبداعي طبقًا لرأي أو معتقدات المترجم مختلف كليًا عن النص الأصلي، وهذه هي أكثر الأخطاء الخفية التي يقع فيها المترجمون.