إنَّ التَّرجمة لا تقتصر على مجرد نقل المفردات والكلمات من لغة إلى أخرى، وخاصةً في حالة التَّرجمة للغة العربية نظرًا لما تحتويه من معانٍ ومفردات أكثر من أي لغة أخرى، وبل وحتى إنها أكثر عُمقًا وإثراءً عن أي لغة أخرى، ولهذا لا يمكن أن تُعتبر التَّرجمة الحرفية ترجمة صحيحة، لأنها اكتفت بتبديل الكلمات فقط ولم تُعبِّر عن المعنى الحقيقي.
ونظرًا للاختلاف بين المُصطلحات من لغة إلى أخرى، ومن مجال إلى آخر، فإن على المترجم أن يكون متعمقًا في اللغتين، بل ودارسًا وباحثًا في المجال الذى يترجم له، حتى لا يحدث أي خطأ قد يُغيِّر المعنى المقصود تمامًا، وهنا تبدأ العقبات والصعوبات التي تواجه أثناء التَّرجمة، فعلى سبيل المثال في على أي مترجم يترجم من لغة إلى أخرى، وخاصةً اللغة العربية، أن يكون على دراية كاملة بالبيئة والمفردات المستخدمة بها، وهذه هي من أهم مفاتيح المترجم المتمكِّن في مجاله التي تمنع تمامًا حدوث أي سوء فهم أو خطأ عن النصِّ الأصلي، وهذا يُميِّزه عن أي مترجم آخر، وهذا ما نقدِّمه لك في موقع بيسكلز..
ولهذا يتوجَّب على المترجم أن يقوم بعمل بحث عن جميع المفردات في المُعجم للغتين، من ثم فهم النصِّ جيدًا، ويبدأ بتطبيق التراكيب النحوية ومُعالجة النص فنيًا، ومن هنا يفترض أنه يكون مُلمًّا بجميع القواعد والتراكيب النحوية للغتين، ولا بد أن يكون على وعي تام بجميع الجمهورين للغتين المستخدمتين وما هي المفردات المستخدمة عندهما، بل ثقافتهم أيضًا وهذه هي أولى الخطوات قبل البدء في ترجمة أي نصٍّ في أي لغة.
وسوف نقوم بتوضيح أهم العناصر الأساسية التي يتوجَّب تطبيقها عند التَّرجمة:
أولًا: شرط أساسي على المترجم أن يكون على وعي بكافة الثقافات وعادات وتقاليد الموجودة في أصحاب أهل اللغة التي يُترجم لها، وهذا نظرًا لأن السمات الثقافية هي ما تميز كل شعب عن الآخر وما هو محمود في ثقافة شعب ما هو مذموم في ثقافة شعب آخر، فمثلًا في مراسم الزواج حول العالم فإن في الدين الإسلامي يتوجَّب أن يوضع منديل على يد الوكيلين عن العروسين، أما في الدين المسيحي فيتوجَّب تبادل القُبلات بين العروسين، وهنا ما قد يُغاير المعنى تمامًا عند الطرفين، فما هو مفروض هنا هو مرفوض هناك.
ثانيًا: التحقق من الإيحاءات والدلالات المستخدمة، وخاصة في حالة التَّرجمة لحملات التسويق بين مختلف البلدان، فالمعاني التي تستخدم هنا من الممكن أن تكون نقيضها في الدولة الأخرى التي يترجم إلى لغتها، ومن ذلك يُفترض أن نُغير المفردات كليًا لكي تتطابق مع شبيهتها لنفس المعنى الضمني في اللغة الأخرى.
ثالثًا: لا بد من التعامل المتأني والدقيق مع الجوانب الهزلية والفكاهية أثناء التَّرجمة، لأن قراء التَّرجمة الهدف ربما لا يدركون تمامًا الكيفية التي تمت صياغة الفكاهة في ضوئها، وربما لا يعون ذلك تمامًا. من هنا يتعيَّن علينا أن ننظر إلى التَّرجمة والتعبير اللغوي ضمن إطار البيئة الاجتماعية أو الثقافية الأوسع.
رابعًا: الجمهور المتلقي هو من أهم العناصر الرئيسية في عملية التَّرجمة، فهو الذي تقوم من أجله صنعة التَّرجمة، فإن فهم المترجم واستيعابه لنصٍّ هو ما يؤكِّد ويبرهن مدى نجاح ترجمة النص أم لا، ويجب مراعاة المترجم، وخاصة في حالة التَّرجمة للغة العربية أن يكون مُلمًّا بعلامات الترقيم والتنقيط والقواعد اللغوية، فإن زيادة حرف أو نقصانه قد تؤثر في المعنى تمامًا، وهنا تصل للمتلقي صورة مُغايرة عن المقصودة في النصِّ الأصلي.
خامسًا: لا بد أيضًا من الالتفات إلى عوامل ثقافية أخرى مثل الصور والرموز والألوان، لأن الصورة ذاتها ربما تحمل معاني إيحائية سلبية في بلدان أخرى، فاللون الأبيض على سبيل المثال يرتبط بالحزن في اليابان، أما في غالبية البلدان الأوروبية فإن الحزن يتجسَّد باللون الأسود. والصور أيضًا ربما تحمل مضامين ثقافية أو سياسية ربما تُفضي في بعض الأحيان إلى إثارة مشكلات معينة لدى الجمهور الهدف.
والمُختصر المفيد أن إلمام المترجم بثقافة اللغتين هو العمود الفقري للترجمة، وليس نقل المفردات من لغة إلى أخرى، ومن ثم تأتي اختلاف التراكيب النحوية واللغوية بين اللغتين، فإن اقتصر الأمر على مجرد نقل مفردات، لما كانت التَّرجمة فنًا وإبداعًا لا يتقنه إلا القليل، وهذا ما نحرص عليه في بيسكلز عند اختيارنا للمترجمين، فإننا نبحث عن المبدعين في هذا المجال، أصحاب الصنعة، وهي حقًا صنعة وحرفة لا يمتلكها إلا قلة أحبَّت المجال وأبدعت فيه، وخاصة في حالة التَّرجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية، والعكس.
فقديمًا اهتم العرب بالتَّرجمة، لأنهم كانوا على تواصل دائم بجميع البلدان التي حولهم، وهذا بفضل التجارة وتبادل الناس البضائع من بلد إلى آخر، فتأثَّر العرب بالعجم، وتأثَّر العجم بالعرب، وانتقلت مُصطلحات وكلمات في كلتا اللغتين، وأصبح الآن هناك كثير من الكلمات المتداولة في اللغات مأخوذة من لغات مختلفة.