الخط العربي يمثل واجهة الحضارة العربية ونور ثقافتها التي هاجرت إلى أصقاع العالم البعيدة فنشرت بأجنحة من الرشاقة والخفة دُرر الخط العربي، الذي أصبح يمثل بقية الحضارة التي خبا نورها وتراجع دورها الرائد في قيادة العالم.
في ورشته الصغيرة بإحدى مدن شمال مصر يجلس الخطاط محمد عطية بازينة ليعلم النشء الصغير أساسيات وتقاليد الخط العربي، تعرَّفتُ إليه من خلال أحد تلامذته الذي كان ولا يزال صديقًا لي، فأعطاني إحساسًا بروعة ما يقوم به المعلم والأستاذ. عرضنا عليه فكرة الانضمام إلينا في مشروع ريادي للخط العربي، ولكنه اعتذر لضيق وقته وتفرغه التام لمشروعه مع الصغار الذين يدرسون الخط العربي.. سألني بلطف: ما المقصود من وراء المشروع؟ فقلت: إنه موقع إلكتروني لبيع وشراء لوحات الخط العربي، إنه يشبه كثيرًا موقع eBay الأمريكي.
أردت أن أطرح رؤاي حوله، لكنني لم أجد صدى لدى هذا الفنان والخطاط، التقطتُ بضع صور للوحاته التي علقها على الحائط، ودلفت إلى الشارع مع صديقي الشاب تملؤني الحماسة المضاعفة لإتمام المشروع رغم ما شعرت به من اختلاف بين رؤى كلا الجيلين؛ جيل الخط العربي الناشئ والجيل الذي لا تمثل له المشروعات ولا طموحاتنا سوى القليل.
هناك وعلى الجهة الأخرى من المتوسط تقف تركيا وريثة الخلافة العثمانية في ديارها الأصلية كمحافظ على التراث العربي والعثماني، الذي يضم المخطوطات التي تبين ابتكار العثمانيين لخط الثلث، والذي برع فيه الأتراك لدرجة أنهم عرفوا به، الخط العربي ليس مجرد تراث فقط، ولكنه تنويع ثقافي ومعبر عن هوية الأمة.
النصيحة الثانية التي تلقيتها بخصوص المشروع من رئيسي في العمل؛ إذ نصحني بالاتصال هاتفيًّا ببعض الخطاطين وعرض المشروع عليهم، وهواتفهم؟! قال: ستجدها في ساقية الصاوي، أليست ساقية الصاوي تضم في بعض جوانبها مشروعات الخط العربي ومعارضه، قلت: نعم، قال: إنها فرصة جيدة لذلك.
وعلى العموم فإن مشروع بروشكي للخط العربي – الذي أصبح الآن ضمن ملحقات كتاب الأستاذ عبد الوهاب إسماعيل عن الاستثمار عبر الإنترنت – يضم فيما يضم إلى جوار لوحات الخط العربي:
- الملابس المخطوطة بالخط العربي.
- الأواني المخطوطة بالخط العربي.. إلخ.
الخط العربي – إذًا – ليس مجرد صنعة يحترفها البعض، ولكنه فن له أصالته، يعود زمن الخط العربي إلى ما قبل الحضارة الإسلامية حين نقل العرب عن الأنباط الخط النبطي؛ حيث لم تكن الأمة العربية سوى أمة متكلمة وليست أمة كاتبة.
في ظل الحضارة الإسلامية قامت منشآت كاملة ورسومات وأحجيات على نمط الخط العربي، وتنوَّعت أشكاله؛ فمنه: الخط الكوفي، والخط الفارسي (إذ اختلط الفرس مع العرب مع الفتح العربي، واندمجوا في الحضارة الإسلامية، وأصبح لهم رصيد كبير وباع واسع، مع اشتعال المنافسة إبان الدولة الأموية، ووصول بعضهم إلى السلطة في عهد الدولة العباسية).
ظهر فن الفسيفساء الإسلامي في ظل الحضارة الإسلامية، ولم يكن ذلك مجرد اختلاط بين حضارتين؛ فقد أبدع الفنان المسلم في صياغة شكل جديد من الفن الإسلامي العربي الراقي أو الإسلامي الفارسي، وأمواج من التناغم تقوم على تواصل الحضارات وليس على صراعها.