بحث في علامات الترقيم من الأهمية بمكان، حتى إنه يجب أن يتعلمها النشء؛ لتعينهم في المستقبل على فهم ما يقرؤون، وإفهام الآخرين ما يكتبون، وفي بحثنا هذا نرجو أن نكون وفقنا في الحديث عن تاريخ علامات الترقيم واستخداماتها وأهميتها.
مقدمة:
كان العرب الفصحاء يدركون بالسليقة متى ينبغي التوقف ومتى ينبغي الابتداء، فإذا طالت الجملة سكتوا وإذا بدا الكلام منطقيًّا أسهبوا، وهكذا بين وقف وابتداء وتعبير عن السؤال وعن الإعجاب – كان يدرك العربي الذي يسكن الصحراء – ولا يعلم شيئًا من قواعد اللغة المحفوظة – ذلك التسلسل المنطقي.
فلما جاء المولدون، وتزاوج العرب بالعجم، وظهرت طرق الطباعة الحديثة، ولم يعد أحد يميز في الغالب بين السؤال والجواب والاستفهام والتعجب، وازدهرت الآداب في العصر الحديث أصبح ضروريًّا للكتاب استخدام علامات تميز الكلام من بعضه وتفسر وتوضح، وصار منطقيًّا أن القراء بحاجة إلى حفنة من العلامات، التي تميز لهم الوقف والابتداء والاستفهام والتعجب والمقول والمنقول وخلافه؛ فظهرت إلى الوجود علامات الترقيم.
ولا عجب أن يطالب أحدُ الصحفيين الكُتَّابَ بضرورة الإكثار من علامات الترقيم؛ فهي تجذب القارئ وتنظم الكلام وتزين الخطوط، وتمهد للتسلسل المنطقي، وتعين على فهم النصوص الأدبية ومتابعة التقارير الصحفية بدقة؛ فعلامات الترقيم لا تقل أهمية عن علامات الإعراب؛ في كونها تزيل الإشكال وتعمق الفكرة.
اقرأ أيضا :
ما تقسيم أدوات الشرط؟ وكيف تعرب؟ وكيف تعرب الأفعال بعدها؟
بداية علامات الترقيم:
تعود بدايات علامات الترقيم إلى العصر العباسي بعد تزاوج العنصر العربي بالعنصر الأعجمي، وترجمة العلوم واتساع دائرة الثقافة والتأليف، فقد لجأ الكتاب والنساخ إلى وضع علامات لتفصيل الجمل الطويلة، وبيان الوقف، فوضعوا بداية دائرة مفرغة وسطها نقطة للوقف، ثم وضعوا دائرة يخرج منها خط، ولكن بحث في علامات الترقيم بشكلها الحالي يعود الفضل فيها إلى العلامة أحمد زكي باشا شيخ العروبة، الذي وضع علامات الترقيم وأوضح للاحقين طرق استخدامها عام 1912؛ لتكون تلك بداية عصر جديد آزر الطباعة وساعد الكتاب والقراء على السواء، وكان من جملة فكر ذلك بحث في علامات الترقيم أن العربي – مهما بلغت درجة علمه – فإنه لن يستطيع التمييز بين الجمل والمقول والوقف والوصل إلا بعلامات تساعده على ذلك.
بحث في علامات الترقيم:
علامات الترقيم أو الترفيد أو كيفما تسمى في اللغات كافة لا تستقل بعلم وحدها، وهي تتبع بذلك علوم النحو والصرف والبلاغة، كما أنها ليست أصواتًا لتنطق ولا حروفًا، وإنما هي رموز مستقلة لكل منها استخدامه، وهي ليست خاصة باللغة العربية وحدها فهي مستخدمة في العربية والإنجليزية وكثير من اللغات، ولا تكاد تجد لغة خالية في العصر الحديث من بحث في علامات الترقيم.
استخدامات علامات الترقيم:
العلامة الأولى: الفاصلة وتسمى أيضًا الشولة والفارزة: (،) وهي أشهر علامات الترقيم:
- توضع بعد المنادى؛ مثل: يا محمدُ، ذاكر دروسك.
- توضع بين أقسام الشيء أو أنواعه؛ كقولك: الجهات الأصلية أربعة: الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب.
- توضع بين مجموعة جمل مرتبطة ببعضها من حيث المعنى؛ مثل: كان عليٌّ رجلًا ناجحًا، ولا يؤذي جيرانه، ولا يسرق مجهود غيره.
العلامة الثانية: النقطة: (.)
تستخدم النقطة في عدة مواضع:
- عند نهاية الجملة الفعلية أو الاسمية أو المركبة، المهم أن تكون تامة في المعنى والإعراب.
- بعد علامة التنصيص الثانية “. – بعد القوس الثاني إذا انتهت الجملة به ).
- عند انتهاء الفقرات وابتداء الفقرة بعدها بسطر جديد.
- في الكلمات المختصرة؛ مثل: ق.م وهي اختصار لكلمتي قبل الميلاد؛ فالنقطة وضعت بين القاف والميم.
العلامة الثالثة: النقطتان الرأسيتان: وهي من علامات الترقيم المشهورة والمهمة.
- توضع النقطتان الرأسيتان قبل الكلام الذي يفسر الكلام السابق له؛ مثل: الكرم صفة حميدة: تحبب الرجل إلى الناس، وتزيده قربًا من ذوي أرحامه.
- توضع قبل الأمثلة التي توضح القواعد أو الأسس؛ مثل: الجمل تنقسم إلى ثلاثة أقسام: جملة اسمية وجملة فعلية وجملة مركبة.
- توضع النقطتان الرأسيتان بين الشيء وأجزائه؛ كقولك: أركان الإسلام خمسة: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج.
- أهم موضع وأشهره للنقطتين الرأسيتين هو بين القول والمقول؛ مثل: قال محمد: إن الدين بحاجة إلى رجال أكفاء.
العلامة الرابعة: علامة الاستفهام: (؟)
تستخدم علامة الاستفهام كواحدة من علامات الترقيم بعد صيغة الاستفهام أو السؤال، والسؤال يبدأ بأداة استفهام؛ مثل: – كم جنديًّا في الجيش؟ – كيف أصبحت اليوم؟ – من السارق؟
العلامة الخامسة: علامة التأثر أو علامة التعجب: (!)
هذه العلامة من علامات الترقيم تستخدم مع الانفعالات والعواطف، ومن الجميل استخدامها في غير الأبحاث العلمية؛ لتعبر عن الحزن والفرح والاستهزاء والسخرية إلخ..
العلامة السادسة: القوسان الهلاليان: ( )
من علامات الترقيم التي ينبغي تعلم استخدامها وفهم مواضعها، ويوضع بينهما الجمل الاعتراضية وألفاظ الاحتراس، والألفاظ التوضيحية، زرت أول المساجد (الكعبة) وطفت به.
اقرأ أيضا :
العلامة السابعة: التنصيص: ” “
تستخدم هاتان العلامتان من علامات الترقيم عند كتابة كلام اقتبس من كلام آخر، وتريد أن تستشهد به في معرض كلامك؛ كقولك: الصبر صفة من الصفات الحميدة، دعا لها الدين وحث على لزومه الأولون، ومما قيل فيه: “الصبر مفتاح الفرج”.
العلامة الثامنة: علامة الحذف: (…)
هذه العلامة من علامات الترقيم تعود إلى فترة تاريخية أقدم قليلًا، يقال: إنها استخدمت منذ العصور الوسطى للدلالة على أن هناك كلامًا محذوفًا من السياق.
العلامة التاسعة: الفاصلة المنقوطة: (؛)
- توضع بين جملتين الثانية منهما سبب لوقوع الأولى؛ مثل: اجتهد محمد في دراسته؛ ليلتحق بكلية الطب.
- توضع بين جملتين الثانية منهما نتيجة للأخرى؛ مثل: حارب أبو جهل النبي – صلى الله عليه وسلم؛ فدخل النار.
- توضع بين الجمل الطويلة التي تتكون جميعها من كلام مفيد حسب تصور الكاتب؛ مثل:
أدرك المصريون بعد فترة طويلة من العمل المضني أهمية التعليم، والمشكلة الحقيقية التي أصبحت ظاهرة لهم هي الإستراتيجية؛ إن المعلمين وأولياء الأمور والقائمين على التعليم أدركوا ذلك كأمر واقع.
- توضع قبل بعض الكلمات التي تفسر ما قبلها؛ مثل: (مثل)
العلامة العاشرة: الشرطتان: (- -)
توضع الجمل الاعتراضية بين الشرطتين، وهما من علامات الترقيم التي يحدث بعض اللبس في استعمالهما؛ فالجمل الاعتراضية يطلق عليها خطأً الجمل الدعائية، وهي أشمل من ذلك؛ فحتى إذا كانت الجمل الدعائية هي جمل اعتراضية فليست وحدها هي الجمل الاعتراضية بل الأمر يتسع؛ يقول المعري:
وإني – وإن كنت الأخير زمانه – لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ
فجملة (وإن كنت الأخير زمانه) جملة اعتراضية، وهي ليست دعائية، أضف إلى ذلك أن الجمل الاعتراضية؛ مثل: رحمه الله، ورضي الله عنه، وعليه السلام، وصلى الله عليه وسلم كلها جمل اعتراضية.
العلامة الحادية عشرة: الشرطة: (-)
- توضع هذه العلامة من علامات الترقيم بين العدد والمعدود؛ إذا استخدما في بداية السطر كعناوين منفصلة يدرج تحتها كلام، سواء أكان العدد لفظًا أم رقمًا في بحث في علامات الترقيم؛ مثل:
الرحلة: زرت في رحلتي أماكن كثيرة: – أولًا: المتحف المصري. – ثانيًا: مدينة الفيوم. – ثالثًا: أهرامات الجيزة.
- إذا كانت الجملة طويلة، وكان الركن الأول منها أطول من الركن الثاني، نعني المبتدأ والخبر – توضع الشرطة بعد الركن الأول؛ مثل: الرجل الكبير الملتحي المهذب – يحبه الناس.
العلامة الثانية عشرة: الحاصرتان: [ ]
يستخدم هذان القوسان المميزان للتفرقة بين كلام الباحث وكلام غيره في الأبحاث العلمية؛ حتى لا يلتبس على القارئ الأمر، وذلك في المقالات المحكمة ورسائل الدكتوراه والماجستير، أو الرسائل والبحوث العلمية إجمالا.
العلامة الثالثة عشرة: الأقواس المزهرة {}
علامتان من علامات الترقيم التي يوضع بينهما الآيات القرآنية؛ لتمييزها عن بقية الكلام المرسل.
أهمية علامات الترقيم:
أولًا: يؤدي استخدام علامات الترقيم إلى وضع النص المقروء في نظام جميل يسهل على القارئ فهمه، وتزين علامات الترقيم النصوص وتجعلها في إطار حسن، ومريح للقراء.
ثانيًا: لولا إشارات المرور واللوحات الإرشادية التي تضعها الدولة على الطرق لما استطاع قائدو السيارات ولا الركاب ولا المشاة معرفة الاتجاهات ولتعطلت حركة السير، وعلامات الترقيم تشبه اللوحات الإرشادية تلك، كما أن علامات الترقيم تنوب عن الاختلاجات النفسية والصوتية والنفسية التي تظهر على المتحدث أثناء الكلام؛ فكما أن تلك النبرة الصوتية والإشارات الجسمية تساعد المستمع على فهم رسالة المتحدث من كلامه؛ فكذلك علامات الترقيم تجعل القارئ ينسجم مع الكلام المكتوب، ويشعر به، ويحثه، ويتفاعل معه.
ثالثًا: توفر علامات الترقيم على القارئ الوقت اللازم لقراءة المحتوى المكتوب؛ فلولاها لطال الوقت اللازم لفهم المعاني، وبذلك فهي تساعد القارئ على الانتهاء من قراءة كتاب أو قصة في وقت قصير، عن طريق وصل الموصول وقطع الجمل التي تحتمل الوقف عند بعض أجزائها.
رابعًا: بعض النصوص المكتوبة يلزم للقارئ رفع صوته بها وإلقاؤها على بعض المستمعين، وعلامات الترقيم تساعد في تحسين الأداء وبيان المقصود من النص موضع الإلقاء.
خامسًا: تمكن علامات الترقيم القارئ من تجويد قدرته على الفهم والاستيعاب؛ فمن الممكن أن تحتمل جملة واحدة أكثر من معنى، ولولا تلك العلامات لما استطاع القارئ فهمها؛ مثل:
ما أجمل السماء!
ما أجمل السماء؟
فالجملة الأولى تعني التعجب من السماء وما فيها، والجملة الثانية هي استفهام عن أي مناظر السماء أجمل؛ فالأولى جملة تعجبية وضعت بعدها علامة التأثر، والثانية جملة استفهامية قصد بها السؤال؛ فوضعت بعدها علامة الاستفهام وبذلك نكون قد جمعنا كل ماتود معرفة في بحث في علامات الترقيم.