اليوم العالمي للغة العربية هو الموافق للثامن عشر من ديسمبر من كل عام، ويوافق الذكرى السنوية لصدور قرار الأمم المتحدة الخاص باعتبار اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، إلى جانب اللغات الخمسة الأخرى، وهي: الإنجليزية والإسبانية والصينية والروسية والفرنسية.
وقد ألقى اليوم العالمي للغة العربية بظلاله على نقاط عدة أبرزها:
- أن اللغة العربية يتكلمها أكثر من 400 مليون شخص فيما بين المحيط والخليج في المنطقة التي تعرف باسم الوطن العربي، وتضم دولًا عدة هي: البحرين وقطر والسعودية وعمان واليمن والكويت والعراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والإمارات العربية المتحدة ومصر والسودان وليبيا وجيبوتي والصومال في أقصى الجنوب الشرقي للقارة الإفريقية وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وهذه الدول التي يزيد عددها على العشرين دولة تتحدث كلها اللغة العربية وتحتفل باليوم العالمي للغة العربية.
- صعدت اللغة العربية إلى بؤرة اهتمام العالم القديم، وأصبحت لغة رسمية للمعاملات الدولية لما يزيد على ثمانية قرون في الأندلس (إسبانيا والبرتغال حاليًا)؛ حيث قامت الأندلس الإسلامية في عهد الدولة الأموية وظلت حتى رحيل آخر ملوك بني الأحمر الذي سلم غرناطة للإسبان المسيحيين، وبذلك انتهت صفحة من التاريخ العربي تستحق الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية؛ حيث سادت في الأندلس اللغة العربية، وأُقرض الشعر، وبرع الأندلسيون فيه حتى استحدثوا فنًّا جديدًا من فنون الشعر يسمى الموشحات، وبرع فيهم شعراء نوابغ حتى ازدحمت بهم بلاطات الملوك الأولين والآخرين، وعقدت ولادة بنت المستكفي في بيتها صالونا أدبيًّا ومجلسًا للأدباء والشعراء، كان على رأسهم ابن زيدون الذي عشقها، ولكنه – نظرًا للدسائس – لم يفلح في الارتباط بها، وتزوجت شخصا آخر، كل تلك الأخبار والمجالس تعود إلى الذهن وتستحضرها الذاكرة عند الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.
- اليوم العالمي للغة العربية يعيد إلى الأذهان ذكريات العصور الأولى للدولة الإسلامية؛ حيث سادت اللغة العربية على اعتبارها لغة لا تُؤدى كثير من الشعائر الإسلامية إلا بها، وأبرزها الصلاة؛ حيث يشترط لمن يؤديها أن يؤديها باللغة العربية، وقد اعتبرت لغة الدولة الرسمية منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أرسل بضع رسائل إلى ملوك الدنيا وقتها، وكانت رسائله باللغة العربية طبعًا، وهنا كان لابد أن يعتني بها الخلفاء الراشدون، واهتموا بها اهتمامًا شديدًا، حتى إن علي بن أبي طالب أذن للتابعي الجليل أبي الأسود الدؤلي في تعليم النحو؛ نظرًا لأهميته في الحفاظ على اللغة العربية، وأصر عمر بن الخطاب قبله ألا يعلم الناس القرآن إلا عالم بالعربية أو فصيح، بعدما أخطأ رجل في قراءة سورة براءة، وكاد يفتن أعرابيًّا فصيحًا دخل المدينة وصلى خلفه.
اليوم العالمي للغة العربية والقرآن:
القرآن الكريم هو كتاب الله المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا معتقد المسلمين منذ بدء الدعوة الإسلامية، نزل به جبريل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نزولا من السموات العلى إلى الأرض، وحفظه ورعاه، وقرأه على الأمة، كل هذا يجعل القرآن الكريم في بؤرة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية؛ حيث إن القرآن مقروء ومسموع ومكتوب باللغة العربية، ولا يختلف اثنان من ذوي العقول على هذا؛ إذ إن اللغة العربية هي لغة سيدنا محمد ولغة قومه، ويقول الله تعالى: "إنا أنزلناه قرآنًا عربيًّا" وهو محكم التنزيل؛ حيث نزل من عند الله وتكفل الله بحفظه فقال- سبحانه: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، وفي عهود الدول الإسلامية اللاحقة لم يكن هناك احتفال باليوم العالمي للغة العربية؛ حيث كانت اللغة العربية اللغة الرسمية لأكبر إمبراطورية في العالم القديم؛ حيث سيطرت الفتوحات الإسلامية على بقاعٍ واسعة من العالم في قاراته الثلاث، وأصبحت تركيا لاحقًا وأجزاء من أوربا جزءًا من الدولة الإسلامية الكبيرة، كما وصلت فتوحات المسلمين إلى أواسط إفريقيا جنوبًا والهند شرقا والمحيط الأطلسي غربًا، وبرع في اللغة العربية لفيف من الشعراء والأدباء والكتاب، الذين لم يكن ينقص أحد منهم كثير ثقافة، ولا قليل عناية بلسان العرب، وكان منهم الجاحظ وابن المقفع وأبو تمام والبحتري والمتنبي ومسلم بن الوليد وأبو العتاهية وأبو نواس والفرزدق وجرير والأخطل الذي استحدثوا لونًا من الشعر يسمى النقائض، وهذا وغيره كان سببًا في ازدهار اللغة العربية وانتشارها واعتبارها لغة لما يزيد على مليار مسلم الآن في أرجاء المعمورة، يؤدون بها صلاتهم ونسكهم وشعائرهم، واليوم العالمي للغة العربية يمثل لهم اعترافًا بدور هذه اللغة الرائد والمقدس في تعريف الناس بالإسلام.
اليوم العالم باللغة العربية وتركيا:
تتحدث تركيا اللغة التركية، وهي مع ذلك تحتفي باليوم العالمي للغة العربية، فقد كان الخط العربي والحروف العربية هي خط وحروف اللغة التركية لما يزيد على أربعة قرون طوال العصر العثماني، وينتظر أن يلقى الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية التي كتبت بها وثائق كثيرة محفوظة في مكتبات إسطنبول وغيرها من مدن تركيا عناية خاصة، خصوصًا بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، والذي ينتهج نهجًا إسلاميًّا، ويحرص قادته على تعليم وتعلم اللغة العربية في تركيا، وكان مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة قد أجرى عدة تعديلات على قوانين الدولة، كان من شأنها إلغاء تعليم اللغة العربية وغلق مكاتب تحفيظ القرآن الكريم في تركيا، وكذلك إلغاء كتابة اللغة التركية بالحروف العربية وكتابتها بالحروف اللاتينية، وهذا كان له أثره في ابتعاد تركيا كثيرًا عن حاضنة اللغة العربية حتى مطلع القرن الحادي والعشرين.
اليوم العالمي للغة العربية في العصر الحديث:
اليوم العالمي للغة العربية يوافق الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، وهو يوافق اليوم الذي أصدرت فيه الأمم المتحدة قرارها رقم 3190 عام 1973 بعد اقتراح تقدمت به كل من المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، باعتبار اللغة العربية إحدى لغات الأمم المتحدة.
واليوم العالمي للغة العربية تحتفل به منظمة اليونسكو المنظمة الدولية للثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة، منذ عام 2012 وبعد انعقاد الدورة الـ 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو، والذي اعتبرت فيه يوم الثامن عشر من ديسمبر يومًا عالميًّا للغة العربية.
تمكنت عدة دول عربية بعد محاولات من جعل اللغة العربية لغة شفوية داخل مقرات الأمم المتحدة.
ميزات اللغة العربية:
هناك عدة ميزات تجعل اليوم العالمي للغة العربية احتفالية كبيرة تستحق الإشادة والتكريم؛ منها:
- اللغة العربية هي أكثر اللغات السامية من ناحية المتحدثين؛ حيث يتحدث بها ما يزيد على 400 مليون شخص منتشرين في البقعة المسماة الوطن العربي، وهذا يجعل اليوم العالمي للغة العربية ذا قيمة كبيرة.
- تتميز اللغة العربية بعدة ميزات منها: كثرة الترادف والأضداد والمعرب والدخيل، وقدرتها على التجاوب مع خيال الشعراء، ويستخدم في اللغة العربية السجع والجناس والقافية وغيرها من الإمكانات التي تجعل اليوم العالمي للغة العربية ذا واجهة مشرفة.
- اليوم العالمي للغة العربية هو إطلالة من العالم واعتراف بقيمة اللغة العربية ودورها الحي والريادي في الآداب والعلوم منذ القرون الوسطى، وحتى الآن، وهو ميزة لا يمكن التغاضي عنها عند الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.