في دراسة حديثة أُجريت لتحديد أهم المهارات التي يجب توافرها في الشخص لكى يعمل في مجال الترجمة استنتجوا منها أهم أربع مهارات، وهي الفهم، والبحث، والتحليل، والقراءة، وهي نفسها مهارات المؤلف، كما أن معظمنا يملك بعض هذه المهارات، ولكن لا يعرف كيف يوظفها جيدًا أو يتقن استخدامها، وهذا لأن نشاط الترجمة يفرض على العاملين به أن يتقنوا هذه المهارات بشكل دقيق، فإن القراءة والفهم هما أولى الخطوات التي يبدأ بها المترجم، ومن ثم يبدأ في مرحلة تحليل النص والبحث عن ترجمة الكلمات من القواميس المختلفة، وكل هذا الخطوات ما إن سقط المترجم في إحداها أخذت معها باقي الخطوات.
وبذلك نستنتج أنه قبل البدء في عملية الترجمة يتطلب منَّا تحليل مراحل الترجمة، والتي هي مراحل غير ملموسة وأغلبها يعتمد على العقل مع محاولة تطبيق تلك المراحل بدقة واحتراف، حتى نصل إلى فرق ملموس بين النص الأصلي والمترجم إذا كنا نريد وصف العملية التي هي غالبًا تحدث من دون وعي للمترجم، ونحن مضطرون لتقسيم العملية إلى مراحل مختلفة والتي تتمثل في الممارسة اليومية لترجمة.
المرحلة الأولى في نشاط الترجمة هي قراءة المحتوى جيدًا مرَّة واثنتين وثلاثًا، وهذا ما يتم تعريفه في علم النفس الذي يفسر أن القراءة هي محاولة لإدراك المحتوى وإلمام بهدفه، وهي تمثل الجزء الأهم والأكبر في الترجمة، حيث إن أي خطأ فيها يؤثر في باقي المراحل بشكل كبير، كما أن عملية القراءة تحتاج إلى أن يكون المترجم في وعي تام لأن في أغلب الأحيان ودون قصد تكون عملية القراءة تكون تلقائية ودون وعي، وهذا ما سوف يضطر للمترجم لإعادة القراءة مرَّات عديدة، ما يهدر الوقت والجهد.
وعندما يقرأ الشخص يقوم دماغه بعمل العديد من المهام في متواليات سريعة، والتي تبدو أن كل شيء يحدث في وقت واحد، فالعين عندما تقرأ من اليسار إلى اليمين المتطرف تبدأ العين ترسل إلى المخ بأنه عليه أن يتعامل مع تلك القراءة بشكل مختلف عما هو معتاد عليه، وهذا طبعًا في حالة أن يكون المترجم من أصل عربي، وهذا نفسه الذي يحدث مع أي مترجم من أصل مختلف عندما يقرأ للعربية أو أي لغة مختلفة عن لغته، ويبدأ أن يشعر بالقلق، كما هو الحال عند قراءة العديد من اللغات الغربية، أو من اليمين إلى اليسار أو من أعلى إلى أسفل في بعض اللغات الأخرى، من ثم يبدأ في تقسيم تلك المقاطع لمحاولة فهمها فيقسمها إلى الجمل والفقرات والمقاطع والفصول والنصوص.. ببساطة، قراءة النص في حد ذاته عمل من أعمال الترجمة، فعندما نقرأ يقوم المخ بتخزين الكلمات التي قُرئت في عقولنا كما يحدث مع البيانات التي تم إدخالها ويبدأ بتحليليها واستنتاج الغرض من المحتوى بشكل عام.
بعد القراءة تتكون لدينا مجموعة من الانطباعات ونبدأ نتذكر بضع كلمات أو جمل على وجه التحديد، في حين تتم ترجمة كل النص المتبقي من اللغة اللفظية إلى لغة تنتمي إلى نظام عقلاني آخر، يحاول فهم محتوى النص بالشكل المقصود به.
ثم يبدأ العقل بمعالجة عقلية للمادة اللفظية من خلال تلك قراءة ذات طابع بنائي ويحاول إعادة بناء هيكل ممكن من تلك الجملة، ومدى علاقتها بباقي عناصرها، وفي المقابل هو ذات الطابع الدلالي عندما نحدد المجالات التي يتضمنها النص من خلال تحليلها في العقل ومحاولة تفسيرها في نطاق سياق النص بشكل صحيح، وأخيرًا يقوم العقل بالبحث عن تلك المعاني في القاموس اللغوي الذي يملكه ومحاولة إيجاد مقابل لتلك الكلمات في اللغة التي يسعى إلى الترجمة إليها، ويدخل تلك الكلمات في سياق النص بشكل صحيح.
ما الفرق بين القارئ والناقد؟
القارئ يسعى لمحاولة الفهم للنص المكتوب لديه كما هو الحال بالنسبة للناقد، فالقراءة تكون بشكل منتظم ومنهجي، ففي أثناء القراءة يقرأ الفرد ويدرك ما يقرأ، من تفسيرات واستنتاجات حول النيات المحتملة للمؤلف المحتوى.
من ذلك يتأكد لدينا أن عملية الترجمة عملية متعددة المستويات، حيث إنها تنتهي بترجمة جمل، ولكن بعد أن تكون لدينا خريطة للنص الأصلي في عقولنا وتم تنفيذها خطوة خطوة وبشكل صحيح، وفي نفس الوقت من خلال تطبيق هذه خريطة نحصل على هدف النص المراد إيصاله، ولكى نترجم بشكل متسلسل، يجب أن يتوافر لدينا مفهوم هيكلي بحيث يتم تحديد كل جملة في ترجمتنا والمقابل لها في النص الأصلي وأن الجملتين تؤدِّيان نفس المعنى، ولذلك قبل البدء في الترجمة يجب وضع خريطتين؛ واحدة لمحاولة فهم النص الأصلي، والأخرى من أجل ترجمة هذا النص، وكل هذا من أجل الحصول على ترجمة أقرب للنص الأصلي وفى ذات الوقت مبنية بشكل علمي ومنظم لتجنُّب حدوث الأخطاء، الذي هو الهدف المنشود من ترجمة النصوص.