التَّرجمة إبداعٌ فكريٌّ وفنٌّ راقٍ، لا تقلُّ أهميَّةً عن الفنون الأخرى بمختلف أنواعها، فهي أسلوبُ تواصُلٍ بين الشُّعوب والحضارات تدعو إلى نقل الأفكار والتُّراث وإلى كيفية التَّواصُل الاجتماعي بين الأفراد وفهم ما يقوله كل طرفٍ للآخر، فهي في تعريفها الأكاديمي (عملية تحويل نصٍّ أصلي، ويُسمَّى النصَّ المصدر إلى نصٍّ فرعي، ويُعرف بالنَّصِّ الهدف)، فهي عبارة عن نقل للحضارات والثقافات والأفكار بين الشعوب والأديان.
للتَّرجمة فوائد عديدة لا يستطيع أن يُنكرها أحدٌ، فهي بالنسبة لما يعيشه البشر من تطوُّر في الأحداث والتكنولوجيا تُعتبر من ضروريات الحياة، وخاصةً في ظل هذه الظروف التي تمرُّ بها كل البلاد، سواء على المدى القريب أو البعيد، ومع تطوُّر التَّرجمة في عصرنا هذا، إلا أنها موجودة منذ قديم الأزل، ومنذ عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما أرسل إلى ملك الفرس وملك الروم يدعوهما إلى الإسلام، فلمَّا أرسلا إليه الرُّسل أمر بترجمة الرسائل القادمة، وبعد ذلك تطوَّرت التَّرجمة شيئًا فشيئًا في عصر الدولة الأموية، ثم في عصر الدولة العباسية، ففي عصر الدولة الأموية كان للنهضة العلمية بشكلٍ شاملٍ كبيرُ الأثر في تطوُّر الحياة العلمية، وذلك لما شهدته البلاد من تطوُّر حربي وسياسي في ذلك الوقت، فبعد سقوط فارس والروم على أيديهم أخذوا عنهم معظم العلوم من حساب، وفلك، وغيرهما. ورغم تطوُّر الدولة العباسية في فنِّ التَّرجمة والتعريب، فإن الدولة الأموية كان لها دور واضح في وضع البنية الأساسية التي استكمل العباسيون بعد ذلك مسيرة تطوُّرها العلمي. ومن أهم هذه التطوُّرات هذه التي حدثت في عهد عبد الملك بن مروان، حيث قنَّن اللغة العربية اللغة الأم في مشارق الأرض ومغاربها، وأيضًا كان للوليد بن مروان دور في تطوُّر المدارس التعليمية، ما أدَّى إلى تطوُّر النهضة الإسلامية ككل. وكان من أهم تطوُّرات المدارس تطوُّرات حركة التَّرجمة في تدوين العلوم، وكان ذلك يحدث للمرة الأولى، ما ساعد العلماء في دراسة وفهم علوم الغرب، كما أتاح للغرب معرفة الدين الإسلامي الحنيف، وهو ما أدَّى إلى دخولهم في الإسلام واتِّساع رقعته. ومن آثار التَّرجمة معرفتنا باللغات الأخرى، ومعرفة الشعوب بلغتنا الجميلة، وهي لغة القرآن الكريم، ومقارنة الفنون والآداب ببعضها البعض، فلم يقتصر أثر التَّرجمة على مُبادلة الألفاظ فقط، بل شمل الجُمل والمُصطلحات، ونقل الحضارة وثقافة الشعوب، ما أدَّى إلى تكوين روابط مباشرة بين الشعوب دون وسيط.
وللترجمة أنواع نذكر منها ما يلي:
-
التَّرجمة المكتوبة: وهي ترجمة نصوص من اللغة الأصلية إلى اللغة الفرعية، وتكون كتابةً.
-
ترجمة فورية: وهي عبارة عن ترجمة لحديث فوري بين أشخاص، وتكون شفهية، ولا تتم كتابتها، وهذا النوع من التَّرجمة لا يحتمل أي أخطاء، بل لا بُدَّ للمُترجم أن يكون مُتقنًا جيدًا للغتين بحيث لا يتأخَّر في التَّرجمة.
-
ترجمة الرموز أو فك الشفرات: وتكون عبارة عن تحويل مجموعة من الرموز والأرقام إلى كلماتٍ وجُمل، كما في الرسائل الحربية والسياسية.
وفي عصرنا هذا وضع العالم "الدول النامية" ذات الركود العلمي والاقتصادي، وهو ما نعرفه نحن بـ"دول الجيل الثالث" تحت اختبارٍ من خلال التطوُّرات الأخيرة، ووحدها التَّرجمة هي القادرة على انتشالها إلى التقدُّم البشري.
وللترجمة دورٌ كبيرٌ في تطوُّر جميع العلوم في عصرنا الحاضر، ومواكبة التطوُّرات الأخيرة في جميع المجالات، فهي تُعتبر حلقة وصل في فهم العلوم والأبحاث التي تُكتب يوميًّا وتُسهِّل علينا فهمها، فهي قد لعبت دورًا كبيرًا فيما مضى، وما زالت حتى وقتنا الراهن، وستظلُّ تُقدِّمه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.