سوف نتحدَّث في هذا المقال بشكلٍ متخصصٍ عن المقالات السابقة التي تحدَّثت عن الصعوبات والمشكلات التي تواجه المترجم في ترجمة النصوص المختلفة، سوف نتحدث هنا عن الصعوبات التي تواجه المترجم في ترجمة النصوص الأدبية، وبخاصة الشعر، لأنه أكثر أنواع النصوص الأدبية التي يجد فيها المترجم صعوبة عند ترجمتها، وذلك لأنها تتطلب منه أن يكون على دراية كاملة بالبيئة والثقافة، وكذا العُرف الذي نشأ وترعرع فيه، بالإضافة إلى إعادة الصياغة التي تُشكل مرحلة قائمة بذاتها يحتك فيها المترجم مع نصوص من الثقافة الأم، التي سينقل منها النص المنشود، ومع نصوص الثقافة التي ستتلقى هذا النص وفقًا لأعرافها وذوقها وفهمها، وهي عناصر ينبغي على السالك في هذا الميدان أن يضعها في الحسبان؛ لأنه بذلك ينقل حضارة بأكملها إلى لغة جديدة والهدف منها ليس فقط ترجمة كلمات، بل هو ترجمة صور المجتمعات والحضارات، خصوصًا ما أنتجته من روائع في الأدب بنثره وشعره.
ولهذا يتحتم عليه ضرورة امتلاك ثروة لغوية مزدوجة تشمل الثقافتين، ثقافة وعرف أهل النص الذي يقوم بترجمته، وهذا لأن ثقافة النص هي التي ستشكل بالضرورة نتيجة لمرحلة الصياغة والبناء أثناء عملية الترجمة، وهذا أيضًا بالتأكيد ليس كل شيء، بل يجب على المترجم أن يكون مُلمًا بكل ما يجعل من نص ما نصًّا أدبيًّا، أي الإبداع في كيفية استخدام طرق التعبير اللغوي والبلاغي، وما تأسس من نظريات في حقل الدلالة واللسانيات والتداوليات والفلسفة.
وهذا الأمر يفرض على المترجم أن يحتك دائمًا بعالم من النقاشات والمسائل والعلمية والنظريات والفرضيات والمسلمات والمظنونات التي نشأت في علوم أخرى، والتي من خلالها يستطيع المترجم أن يستفيد منها ويوسع مداركه من أجل استزادة معارفه بمجاله الذي لا يخلو من القيود التي يفرضها عليه النص وتفرضها ثقافة النص وشروط تلقيه وتداوله في الثقافة الجديدة، وهذا ما قام بتوضيحه الدكتور محمد عناني في تمهيده لكتابه فن الترجمة، حيث قال في معرض حديثه عن الفرق بين مؤلف النص والمترجم: (أما المترجم فهو محروم من هذه الحرية الإبداعية أو الحرية الفكرية؛ لأنه مقيد بنص تمتّع فيه صاحبه بهذا الحق من قبل، وهو مكلف الآن بنقل هذا السجل الحي للفكر من لغة لها أعرافها وثقافتها وحضارتها إلى لغة ربما اختلفت في كل ذلك، ومع ذلك فهو مطالب بأن يخرج نصًّا يوحي بأنه كُتب أصلاً باللغة المترجم إليها).
وهذا ما يؤكد ضرورة أن يكون المترجم له حس إبداعي، ولا يأتي هذا الحس الإبداعي إلا بأن يطلع على كل الثقافات والعلوم المختلفة من أجل أن تُفتح له مداخل كثير للإبداع باستخدام المترادفات والتراكيب اللغوية.
ثم يقول في نهاية التمهيد فكرة أساسية تخص التطور الدلالي للكلمات: (على المترجم إذن أن يحيط بمتن اللغة الذي تغير، ليس فقط بسبب دخول كلمات جديدة مستمدة من لغات أجنبية، بل أيضًا بسبب اكتساب بعض الكلمات القديمة معاني جديدة. ويندر أن يمر شهر أو أسبوع دون توليد كلمة جديدة بالنحت أو التعريب).
وغرضنا من ذكر هذه الاقتباسات هو أن نسلط الضوء على أهمية التي تفترضها مقاييس الإجادة والممارسة والخبرة الزمانية على المترجم، ومدى تأثيرها على تأسس اللغة لدى المترجم وما تملك من مقَومات والتي بطبيعتها دائمًا ما تكون في تجدد مستمر حسب المعطيات الخارجية التي يفرضها التبادل الحضاري بين الشعوب، والذي تلعب فيه الترجمة دورًا مركزيًّا هو الذي يساعد على دورة الفهم والثقافة بين المجتمعات ويعزز التبادل المعرفي والعلمي والفني بينها في مناخ صارت تحتل فيه المعلومة عنصر الصدارة، تنشأ في عشها ثم تطير في الآفاق بعد نموها، والسبيل إلى الاستفادة منها هو تطويعها داخل نسقنا اللغوي حتى تُفيد الأجيال والناس على اختلاف درجاتهم في العلم.
ما تلك الصعوبات التي تواجه المترجم في الترجمة الأدبية؟
الصعوبات التي تتسبب في الإخلال والخروج عن معنى النص الأصلي هي تلك التي تحدث بسبب عدم فهم محتوى النص جيدًا، لأن المترجم لا يكون ملمًّا بقواعد اللغة التي يترجم منها، وأيضًا بسبب عدم ثقافته الكافية لأهل تلك اللغة، ومن هنا يحدث نقل لصورة مخالفة تمامًا لصور الشعوب التي يترجم عنها، ومن هنا يبدأ الخلل، الذي بدوره يجر كثيرًا من الأخطاء وراءه مثل اختيار مترادفات ليست في موضعها وأساليب تركيبة نحوية لا تليق، وما إلى ذلك من كثير من هذه الفنيات التي تلقي بالنص إلى التهلكة.
وبما أن الموضوع أكبر بكثير من أن يناقش في مقالة واحدة، فسوف نكتفي هنا بتعريف الترجمة في اللغة العربية، وتعريفها وفقًا لتعريف الدكتور محمد عناني، وهي كالآتي:
فالترجمة في اللغة العربية هي التُّرجُمان والتَّرجمان (بالضم والفتح) في معجم لسان العرب يدلان على المفسر للسان، وهو الذي يُترجم الكلام، أي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى، والجمع التراجم.
والترجمة الأدبية حسب محمد عناني هي ترجمة الأدب بفروعه أو ما يُطلق عليه الأنواع الأدبية المختلفة، مثل الشعر، والقصة، والمسرح، وما إليها.
يُتبع..