الأفعال الناسخة في اللغة العربية تتفق مع غيرها من الأفعال في أنها يجري عليها البناء والإعراب, ولكن اختلاف معناها وما وضعت له منذ فجر استخدامها جعل لها عملًا يختلف أو يزيد على معاني واستخدامات غيرها من الأفعال وهي كان وأخواتها, في هذا المقال ستعرف أن هناك أفعالا ناسخة أخرى؛ وهي كاد أخواتها وظن وأخواتها.
الأفعال الناسخة المعروفة أو المشهورة لدى الكثير من طلبة العلم هي كان وأخواتها, في حين لا يدري الكثيرون أن الأفعال الناسخة تضم إلى جانب ذلك أفعال المقاربة والرجاء والشروع, كما أن هناك أفعالًا ناسخة أخرى لا تعمل عمل كان وأخواتها وهي أفعال الرجحان واليقين والتحويل وهي ظن وأخواتها.
ونبدأ معًا بتناول المعنى العام الذي تدور حوله هذه التسمية وهو (الأفعال الناسخة), وهو أنها تنسخ حكم الجمل بعدها وتحوله إلى حكم جديد, والنسخ في اللغة يعني الإزالة والتغيير, ومنه جاء الآيات والسور والأحكام المنسوخة وذلك في القرآن الكريم, فحكم المبتدأ والخبر في الجملة الاسمية هو الرفع, والأفعال الناسخة تغير حكم أحد هذين الركنين – نقصد المبتدأ والخبر – وتزيله.
أولًا: كان وأخواتها:
كان وأخواتها أفعال ناسخة تدخل على الجملة الاسمية؛ فتنسخ حكم الخبر وتنصبه وتبقي حكم الرفع للمبتدأ وتنسخ تسميته, فتحوله إلى هذا المسمى: اسم كان أو اسم أصبح او اسم أمسى.. إلخ.
وكما ذكر فإن كان لها أخوات يعملن عملها, ولكن تختلف معانيها من فعل لآخر, وهذه الأخوات أو الأفعال هي: أصبح – أمسى – أضحى – ظل – صار – بات – ليس – ما زال – ما برح – ما فتئ – ما دام – ما انفك.
بعض هذه الأفعال الناسخة يعمل بشروط, وبعضها يعمل دون شرط, ولكنها تتفق في كونها تنصب الخبر وتبقي المبتدأ مرفوعًا وقد ورد في النحو الوافي: “إنها ثلاثة عشر فعلًا؛ كان – ظل – بات – أصبح – أضحى – أمسى – صار – ليس – زال – برح – فتئ – انفك – دام”, ويواصل صاحب النحو الوافي بقوله: “وكل هذه الأفعال تشترك في أمور عامة, أهمها: أنها لا تعمل إلا بشرط أن يتأخر اسمها عنها, وأن يكون خبرها غير إنشائي, فلا يصح: كان الضعيف عاونه, وأن يكون الاسم والخبر مذكورين معًا, ولا يصح مطلقًا حذفهما معًا, ولا حذف أحدهما إلا (ليس), فيجوز حذف خبرها..”
ولنأخذ أمثلة على ذلك ونعربها حتى يتبين لنا عمل هذه الأفعال.
أمثلة على كان وأخواتها:
- كان اللهُ رحيمًا.
كان: فعل ماضٍ ناقص ناسخ مبني على الفتح, يرفع المبتدأ وينصب الخبر.
اللهُ: لفظ الجلالة اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
رحيمًا: خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
وأصل الجملة قبل النسخ:
اللهُ رحيمٌ.
اللهُ: لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
رحيمٌ: خبر المبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
- أصبح المؤمنون تائبين:
أصبح: فعل ماضٍ ناقص ناسخ مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
المؤمنون: اسم أصبح مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم.
تائبين: خبر أصبح منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
وأصل الجملة قبل دخول الفعل الناسخ:
المؤمنون تائبون.
المؤمنون: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم.
تائبون: خبر المبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو.
وهكذا في بقية أخوات كان التي هي أولى الأفعال الناسخة في هذا البحث, غير أنه يجب الالتفات إلى أن بعض الأفعال الناسخة من أخوات كان لا تعمل إلا بشرط تقدم نفي أو نهي عليها, وهي: ما زال – ما برح – ما فتى – ما انفك, أضف إلى ذلك أن دام لا تعمل إلا بشرط تقدم ما المصدرية عليها.
ثانيًا: الأفعال الناسخة (كاد وأخواتها):
الجدير بالذكر أن كان وأخواتها لا تستأثر بنسخ حكمي المبتدأ والخبر؛ فهناك أفعال أخرى تشاركها في ذلك, ولكن بشروط أخرى غير تلك التي وردت في معرض حديثنا عن كان الناقصة وأخواتها, وهي كاد وأخواتها, وهي تعرف أو تنقسم إلى ثلاثة أقسام, وهي أفعال المقاربة, وأفعال الرجاء وأفعال الشروع, وتشترك جميعها في أن خبرها لا بد أن يكون جملة فعلية فعلها مضارع, ولكنها تختلف في أحكام دخول (أنْ) على خبرها؛ فهناك أفعال منها يقل اقتران خبرها بـ (أنْ) وهي: كاد وكرب, وبعضها يكثر اقتران خبرها بـ (أنْ) وهي: عسى وأوشك, وهناك فعلان منها يجب اقتران خبرها بـ (أنْ) وهما: حرى واخلولق, وأفعال ناسخة أخرى يمتنع اقتران خبرها بـ (أنْ) وهي أفعال الشروع؛ مثل: أخذ وقام وهلهل وهب, وغيرها.
أفعال المقاربة: وتدل على قرب وقوع الخبر, وهي ثلاثة أفعال ناسخة, وهي: كاد وكرَب وأوشك.
أفعال الرجاء: وتدل على رجاء وقوع الخبر, وهي ثلاثة أفعال ناسخة, وهي: حرى وعسى واخلولق.
أفعال الشروع, وهي كثيرة ومنها: هلهل وهب وقام وشرع وأخذ.
أمثلة على كاد وأخواتها وإعرابها:
- “يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار”.
يكاد: فعل مضارع ناسخ مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
سنا: اسم يكاد مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر.
برقه: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة والضمير أيضًا في محل جر مضاف إليه.
يذهب: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة, والفاعل ضمير مستتر تقديره هو عائد على سنا.
والجملة الفعلية في محل نصب خبر يكاد.
- “يكاد البرق يخطف أبصارهم”.
يكاد: فعل مضارع كما سبق إعرابه.
البرق: اسم يكاد مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
يخطف أبصارهم جملة فعلية في محل نصب خبر يكاد.
- كرب القلب من جواه يذوبُ … حين قال الوشاة: هند كذوبُ
كرب: فعل ماضٍ من الأفعال الناسخة مبني على الفتح.
القلب: اسم كرب مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
يذوب من جواه: جملة فعلية في محل نصب خبر كرب.
- “عسى الله أن يتوب عليهم”
عسى: فعل ماضٍ ناقص ناسخ مبني على الفتح المقدر.
الله: لفظ الجلالة اسم عسى مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
وجملة أن يتوب عليهم: جملة فعلية في محل نصب خبر عسى.
تعرف على :
ثالثًا: الأفعال الناسخة ظن وأخواتها:
تشترك ظن وأخواتها مع أخوات كان وأخوات كاد في أنها تنسخ حكم المبتدأ والخبر, لكن بشكل مختلف فإن المبتدأ والخبر يتحولان بعدها إلى مفعول به أول ومفعول به ثانٍ, ورغم كونها تعمل كلها هذا العمل فإنها تنقسم إلى قسمين, ورد في شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك أن الأفعال الناسخة وهي ظن وأخواتها” تنقسم إلى قسمين أحدها أفعال القلوب والثاني أفعال التحويل فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى قسمين: أحدهما: ما يدل على اليقين وذكر المصنف منها خمسة: رأى ووجد ودرى وتعلمْ.
والثاني منها ما يدل على الرجحان, وذكر منها المصنف ثمانية خال وظن وحسب زعم وعد وحجا وجعل وهبْ.
أمثلة على إعراب الأفعال الناسخة
وهي ظن وأخواتها والجمل بعدها:
- ظن محمد الماء مثلجًا.
ظن: فعل من الأفعال الناسخة مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
محمد: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
الماء: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
مثلجًا: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- حسبْتُ النصر ممكنًا.
حسبت: فعل وفاعل.
النصر: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
ممكنًا: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- زعم الأعداء الأرض محتلة.
زعم: فعل ماضٍ مبني على الفتح وهو من الأفعال الناسخة.
الأعداء: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
الأرض: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
محتلة: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- رأى زيد الحق واضحًا.
رأى: فعل ماضٍ مبني على الفتح, وهو من الأفعال الناسخة بمعنى: أدرك.
زيد: فاعل.
الحق: مفعول به أول.
واضحًا: مفعول به ثانٍ.
- وجدت العلم شفاء كل جهالة.
وجدت: فعل وفاعل.
العلم: مفعول به أول منصوب.
شفاء: مفعول به ثانٍ منصوب.
- دريت الإسلام الدين الصحيح.
دريت: فعل وفاعل.
الإسلام: مفعول به أول.
الدين: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
الصحيح: نعت منصوب.
- جعلت الأم البرتقال عصيرًا.
جعل: فعل ماض يفيد التحويل, وهو من الأفعال الناسخة.
معلومات إثرائية عن الأفعال الناسخة:
- كان وكاد وأخواتهما أفعال ناقصة يعني لا تكتفي بمرفوعها, فتحتاج إلى خبر يكمل معنى الجملة.
- كان تأتي تامة وزائدة, وهي كثيرة في كلام العرب؛ فمن التامة:
- أنشئ السوق وكانت التجارةُ.
- قوله – تعالى: “وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة”
- قول النبي – صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت”, ومعنى كنت: وُجدت.
ومن الزائدة قول أبي نواس: … وداوني بالتي كانت هي الداء
- المضارع والأمر من الأفعال الناسخة يعمل عمل الماضي؛ مثل:
- احسب الحق قويًّا:
احسب فعل أمر مبني على السكون, يعمل عم الماضي؛ فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر.
الفاعل: ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت.
الحق: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
قويًّا: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- قال تعالى: “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف”
يحسب: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
هم: (هاء الغيبة) ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول مقدم على الفاعل.
الجاهل: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
أغنياء: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- الفعل رأى ينصب مفعولين إذا كان الرؤية عقلية أو إدراكية, ولكنه ينصب مفعولًا به واحدًا إذا كانت الرؤية بصرية أو بمعنى: أبصر؛ مثل:
- رأى المؤمن الإسلام خيرًا.
رأى: بمعنى أدرك أو فهم فعل من الأفعال الناسخة ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر.
- رأى أحمد القمر ساطعًا.
رأى: فعل ماضٍ مبني على الفتح بمعنى أبصر, ينصب مفعولًا به واحدًا
أحمد: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
القمر: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
ساطعًا: حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة.
خاتمة:
يتبين لك فيما سبق كون اللغة العربية لغة ثرية جدًّا؛ فالأفعال الناسخة تتنوع ويتنوع عملها ووظائفها اللغوية والنحوية, كما تختلف شروطها ومدى ارتباطها بالجملة بعدها.
الأفعال الناسخة منها ما ينصب الخبر ويأتي بعدها مفردًا أو غير مفرد؛ مثل كان وأخواتها, وقد يلزم أن يكون الخبر جملة فعلية؛ مثلما هو الحال عند كاد وأخواتها, ومنها ظن وأخواتها التي تنسخ الجملة الاسمية بعدها تمامًا من الناحية الوظيفية والنحوية؛ فتجعل المبتدأ والخبر مفعولين, فما أعجب الأفعال الناسخة!