حلم الكثيرون حتى القرن الخامس عشر والسادس عشر باكتشاف قارة أخرى أو أرض أخرى خلف بحر الظلمات أو المحيط الأطلنطي، وظل هذه الحلم يراود المكتشفين حتى دخل كريستوفر كولومبس برحلته الشهيرة، وأسطوله المدعوم من ملك إسبانيا في ذلك الوقت إلى بحر الظلمات؛ بغية اكتشاف جديد وراء الضباب الكثيف والأمواج المتلاطمة العالية والبحر الواسع الشديد الاتساع.
حين اكتشف المكتشفون الأمريكتين كان نصيب الإسبان من الاكتشاف كبيرًا، فحصلوا على الثلث الأسفل من قارة أمريكا الشمالية وبقية أمريكا الجنوبية وجزء صغير سمي بعد ذلك بالبرازيل، تحصل عليه البرتغاليون البلدة الأشهر الآن في عالم كرة القدم.
سمي الثلث الأسفل من أمريكا الشمالية بالمكسيك وهذه الدولة ينتمي إليها كاتبنا أوكتابيوباث.. أوكتابيوباث ألف كتابًا يتدفق آلما وأوجاعا في متاهة الانتماء التي عاشها الشعب المكسيكي منذ صار خليطًا من الأب الإسباني الفاتح والأم الهندية المغتصبة.
عنوان كتاب أوكتابيوباث هو متاهة الوحدة، والتي تشكل في أغلبها مظاهر العنصرية الأوربية، تتدفق واقعا سحريا، ليس أوكتابيوباث منظرا فقط، ولكنه كاتب بارع تتداخل لديه أحداث الماضي مع الواقع، لتضفي لونا من ألوان الثقافة… أبى هو المغتصب، وأمي هي المغتصبة… أي شأن هذا الذي يجعل قيم الإنسان تأتي من أب همجي وأم مغتصبة.
أوكتابيوباث هو الجد الحقيقي لأعمال أدبية وإبداعية ليست بالقليلة ساهم هو في استنارة أصحابها حين قرؤوها، ويستحيل أن تجد كاتبا أو مثقفا لا يعرف أوكتابيوباث، كلنا يعرف أوكتابيوباث.
إيزابيلا الليندي
ولدت إيزابيلا الليندي في عام 1942، وكان والدها يعمل سفيرًا وقيل إن نشأتها هذه كان لها دور في وداعة طفولتها كما وصفتها هي فيما بعد، إيزابيلا الليندي مرت بمنعطفات كثيرة طوال حياتها، ولم تبدأ في الكتابة الروائية سوى في سن متأخرة، عندما أصبح عمرها أربعين عامًا تقريبًا كتبت أولى روايتها "بيت الأشباح" وهي بهذا تضرب مثلًا في إمكانية البدء في العمل الروائي والأدبي في سن متأخرة؛ إذ إن سن الأربعين سن متأخرة جدًا وليست كالمعتاد تفتح الذائقة في الصغر، والكتابة في سن مبكر عمومًا هي المعروفة والمشاهدة في عالم الأدباء والروائيين.
عندما تزوجت إيزابيلا كانت تقريبًا في سن العشرين، يسارية مثقفة وناضجة أنجبت ثلاثة أبناء من زواجها الأول، وانفصلت عن زوجها فيما بعد، ولكنها ظلت تحتفظ له بذكرى جميلة.
إيزابيلا الليندي هي ابنة أخ سلفادور الليندي والذي أودى نتيجة الانقلاب العسكري الذي أطاح به، وحل محله نظام دكتاتوري مستبد بزعامة ألكسندر بينوشيه، وقد طردت من البلاد (تشيلي) ولم تعد إليها، وقد أقامت إيزابيلا الليندي في لبنان فترة من الزمن.
والدكتاتور الذي أمضى سنوات عمره الأخيرة في الاستبداد بحكم شيلي مثل المغتصب نفسه وثقافته التي تكلم عنها أوكتابيوباث في كتابه متاهة الوحدة، قد أثر ذلك في إيزابيلا الليندي كثيرًا، فكانت واقعة موت عمها وطردها من البلاد تمثل دافعًا حقيقيا للكتابة عن تشيلي، إذا أضفنا إلى ذلك كونها ابنة هذا الوطن.