إن اشتراك أدوات النصب بين الأسماء والأفعال قد يسبب لبسًا لدى طلبة العلم وأهل التخصص من المبتدئين، وفي هذا المقال الشامل الذي تناول تلك الأدوات نسلط الضوء عليها مشفوعة بأمثلة نرجو أن تكون كافية شافية.
أدوات النصب من أهم أنواع الروابط في اللغة العربية؛ فهي تستخدم في ربط الجمل والكلمات، وأدوات النصب لا تدخل على الأسماء فقط وإنما تنصب الأفعال أيضًا، وأنت قد تعلم من خلال دراستك أن الفعل المضارع يتوافق مع الاسم في كونهما يعربان، فهو يرفع وينصب كما أن الاسم يرفع وينصب، والنصب هو ما يهمنا في هذا المقام، فأدوات النصب تنقسم إلى قسمين:
أولًا: أدوات النصب التي تنصب الأسماء:
أدوات النصب التي تنصب الاسم هي إن وأخواتها ولا النافية للجنس، أما إن وأخواتها فهي تدخل على الجملة الاسمية فتنصب المبتدأ ويسمى اسمها وترفع الخبر ويسمى خبرها، إذن هي تنصب الأسماء بلا شروط، أما لا النافية للجنس فهي تنصب الاسم بشروط، ولنتحدث أولا عن إن وأخواتها وهي: إنَّ وأنَّ ولكنَّ وكأنَّ وليت ولعلَّ، وإن وأخواتها تسمى أيضًا بالحروف المشبهة بالأفعال؛ فهي تشبه الأفعال في عدة خصائص هي:
- تدخل على الأسماء وتختص بالدخول عليها؛ فهي بذلك تشبه الأفعال في كونها تدخل هي الأخرى على الأسماء.
- تبنى على الفتح كما هو الحال مع الفعل الماضي؛ فهي تشبهه في ذلك.
- تتصل بها ضمائر النصب كما تتصل بالأفعال؛ كقولك: لعلِّي، ليتك، إنه، كأننا.
تعرف أيضا على :
أمثلة على أدوات النصب إن وأخواتها:
- قال – تعالى: “إنا أعطيناك الكوثر”.
- قال – تعالى: “إن الإنسان لظلوم كفار”.
- قال – تعالى: “قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم…”.
- قال – تعالى: “إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين”.
- قال – تعالى: “إن الساعة آتية أكاد أخفيها”.
- قال – النبي – صلى الله عليه وسلم: “إن الله هو المسعر”.
- قال النبي – صلى الله عليه وسلم: “إن الله حيي سِتِّير…”.
- قال – تعالى: “لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا”.
- قال – تعالى: “فلم تقتلوهم ولكنَّ الله قتلهم”.
- قال – تعالى: “ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا”.
- قال الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة… وليتك ترضى والأنام غضاب.
- قال الشاعر: ليت هندًا أنجزتنا ما تعد…
- قال الشاعر:
كأنَّ مثارَ النقع فوق رؤوسنا… وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
معاني أدوات النصب إنَّ وأخواتها:
إن وأنَّ تفيدان التوكيد، وكأن للتشبيه، ولكنَّ تفيد الاستدراك، ولعلَّ تفيد الترجي، وليت تفيد التمني.
لا النافية للجنس:
هناك أداة من أدوات النصب هي أخت إن في العمل غير أنها تعمل بشروط، وهي لا النافية للجنس، تدخل على الجملة الاسمية فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، وسميت نافية للجنس لأنها تنفي خبرها عن جنس اسمها؛ كقولنا: لا كسولَ ناجحٌ؛ فهذا يعني أن كل كسول لا ينجح؛ فالنجاح منفي عن كل ما جنسه الكسل.
تتعدد شروط هذه الأداة من أدوات النصب، وشروط عملها هي:
- أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وهذا الشرط يعني أن اسمها إذا جاء معرفة أهملت لا النافية، كما أنه في هذه الحالة يجب تكرارها.
فينبغي أن تقول: لا ماءَ في الصحراء، ولا يجوز أن تقول: لا الماءَ في الصحراء؛ ففي المثال الثاني جاء اسم لا النافية للجنس معرفة فيجب رفعها وتكرارها؛ فتقول: لا الماءُ في الصحراء ولا النباتُ.
- ينبغي ألا يوجد فاصل بينها وبين اسمها: فتقول: لا مهملَ وسطنا، ولا تقول: لا وسطنا مهملَ، بل تقول: لا وسطنا مهملٌ ولا كسولٌ، ففي هذه الحالة يجب إهمالها وتكرارها.
- ألا يسبق اسمها حرف الباء، فإذا سبقت لا النافية للجنس بحرف الباء وجب في هذه الحالة إهمالها ولا تعد من أدوات النصب؛ كقولنا: حارب الصهاينة بلا خوفٍ.
هذا واسم لا النافية للجنس يأتي على ثلاث صور:
أولًا: يأتي مضافًا إلى اسم نكرة، ويعرب الاسم النكرة بعده مضافًا إليه مجرورًا، أما هو فيعرب اسم لا النافية للجنس منصوبًا؛ مثل:
- لا صاحبَ حقٍّ مهزومٌ.
- لا صاحبيْ حقٍّ مهزومان.
- لا صاحباتِ حقٍّ مهزوماتٌ.
فكلمات (صاحبَ، صاحبيْ، صاحباتِ) اسم لا النافية للجنس منصوب وعلامة نصبه الفتحة والياء والكسرة على الترتيب.
ثانيًا: يأتي شبيهًا بالمضاف، وهو يشبه المضاف في كونه يأتي معربًا منصوبًا، والشبيه بالمضاف هو اسم معرب يحتاج إلى ما بعده لإتمام معناه، ولكنه لا يكون مرتبطًا به ارتباط المضاف إليه بالمضاف؛ مثل:
- لا محبًّا دينَه خاسرٌ.
فكلمة: (محبًّا) اسم لا النافية للجنس منصوب وعلامة نصبه الفتحة؛ لأنه شبيه بالمضاف.
ثالثًا: يأتي مفردًا، وفي هذه الحالة يبنى على ما ينصب به؛ مثل:
- لا حاقدَ رابحٌ.
- لا حاقديْنِ رابحان.
- لا حاقدينَ رابحون.
- لا حاقداتِ رابحاتٌ.
- لا تلاميذَ راسبون.
فكلمات (حاقدَ، حاقديْنِ، حاقدينَ، حاقداتِ، تلاميذَ) اسم لا النافية للجنس مبني على الفتح، على الياء، على الياء، على الكسر، على الفتح.. على الترتيب.
ملاحظات:
- من الجائز أن يحذف خبر لا النافية للجنس إذا فهم من السياق، كقولك: الشهيد فائزٌ لا شكَّ؛ يعني لا شكَّ في فوزه.
- من الجائز حذف اسم لا النافية للجنس إذا فهم من السياق؛ كقولك للمريض: لا عليك؛ يعني: لا بأسَ عليك.
- لا النافية للجنس من أدوات النصب التي يجوز تكرارها؛ مثل: لا خوف ولا تهور مفيدٌ.
- لا النافية للجنس من أدوات النصب التي يجوز دخول همزة الاستفهام عليها؛ مثل: ألا فدائيَّ في زمن الحرب؟
ثانيًا: أدوات النصب التي تنصب الأفعال:
كما سبق وأوضحنا فإن الفعل المضارع يشابه الاسم في كونه يعرب، ومن ضمن أحوال الإعراب النصب، وأدوات النصب التي تنصب الفعل المضارع هي: أنْ ولنْ وكيْ وحتى ولام التعليل وفاء السببية، ولام الجحود وإذن، وأوْ وواو المعية.
بعض أدوات النصب تلك تنصب بنفسها، وبعضها ينصب بأن مضمرة، وبعضها لا ينصب إلا بشروط، إن توفرت هذه الشروط نصب الفعل المضارع، وإلا فإنه لا يعمل النصب.
أدوات النصب التي تنصب بنفسها:
هي أربعة أدوات: أن – لن – إذن – كي.
أولى تلك الأدوات هي (أنْ):
وهي أولى أدوات النصب التي تنصب الفعل المضارع، ولها تسمية أخرى (أنْ المصدرية)، وسميت بذلك؛ لأنها تؤول مع الفعل بعدها بمصدر؛ مثل قولك: أن تعملَ أفضل من أن تتسولَ.
فالفعلان تعمل وتتسول فعلان مضارعان منصوبان وعلامة نصبهما الفتحة، وهما مؤولان مع أنْ بمصدرين هما: العمل والتسول، والتأويل: “العمل أفضل من التسول”، ولكن هذه الأداة من أدوات النصب يشترط فيها أولًا ألَّا تكون مفسرة بل مصدرية فقط؛ فالمصدرية هي التي ضربنا عليها المثال السابق “أن تعمل خير من أن تتسول”، وأما المفسرة فقولك: نظرت إليه أنْ قمْ، أن: ليست أداة نصب هنا، وإنما هي حرف تفسيري مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، والجملة الفعلية من قمْ والفعل الضمير المستتر لا محل لها من الإعراب جملة تفسيرية.
ثانيًا: ألا تكون (أنْ) هي المخففة من أنَّ أخت إنَّ التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر، كقول الله – تعالى: “أيحسب أن لن يقدر عليه أحد”؛ فهي هنا مخففة من أنَّ واسمها هو ضمير الهاء المتصل المحذوف، وهو مبني على الضم في محل نصب اسم (أنَّ).
ثاني تلك الأدوات هي (إذن):
توصف تلك الأداة من أدوات النصب بأنها حرف جواب وجزاء واستقبال، ولكن لكي تنصب الفعل المضارع اشترط النحاة أن تتوفر معها ثلاثة شروط:
- أن يدل الفعل بعدها على الاستقبال.
- أن تقع في صدر الجملة؛ فلا يسبقها أداة شرط ولا مبتدأ ولا قسم.
- ألا يفصلها عن الفعل المضارع فاصل ما عدا: النداء والقسم ولا النافية.
كقول الشاعر:
إذنْ – والله – نرميهم بحرب … تشيب الطفل من قبل المشيب
ثالثة أدوات النصب: كي:
ولها حالتان؛ الحالة الأولى: أن تنصب المضارع، وفي هذه الحالة تكون حرفًا يؤول مع ما بعدها بمصدر، ولا تكون حرف جر أو تعليل، ومن أشهر الأمثلة على ذلك آية كريمة من سورة الأحزاب، وهي قوله – تعالى: “لكي لا يكون على المؤمنين حرج”؛ فاللام التي دخلت على (كي) هنا حرف جر وتعليل، أما كي فهي حرف يؤول مع ما بعده بمصدر، وتنصب الفعل بعدها( يكونَ)، أما لا الواقعة بينها وبين الفعل المضارع فحرف نفي لا تأثير له في إعراب الفعل المضارع.
الحالة الثانية: كي ليست فيها من أدوات النصب، وإنما حرف تعليل وجر؛ مثل قولنا: اشتريت دارًا كي أنْ تجاورَني، وإعراب كي هنا: حرف جر وتعليل بمعنى اللام (لام التعليل) مبني على السكون، وأنْ هنا مصدرية ناصبة تؤول مع ما بعدها بمصدر، وقد امتنع كون (كيْ) حرفًا مصدريًّا؛ لأن (أنْ) حرف مصدري وناصب.
رابعة أدوات النصب التي تنصب بنفسها هي (لنْ):
هنا في معنى لن نوعان؛ الأول: أن (لنْ) تنفي وقوع المضارع في المستقبل على جهة التوكيد أو التأبيد، وذلك بحسب السياق الذي تأتي فيه؛ ففي قوله – تعالى: في سورة طه: “لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى”؛ فتؤول هنا مع نبرح بمصدر هو البراح، وهو هنا ليس مؤبدًا ولا مطلقًا وإنما هو غير مطلق وله نهاية، ويتوقف على عودة سيدنا موسى إليهم.
أما في قوله – تعالى – في سورة الحج: “لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له”؛ فقد جاءت لن هنا لتفيد التأبيد والتوكيد المطلق، فيستحيل في حقهم خلق الذباب في المستقبل القريب والبعيد جميعًا؛ لأنهم مخلوقون مثله، وهو عاجزون عن ذلك، وقد جاء السياق بلن بعكس الآية الأخرى؛ فالتأكيد والتأبيد في الآية الأخيرة مطلق ولا نهاية له.
أدوات النصب التي تنصب بـ (أنْ) مضمرة:
منها ما ينصب بأن مضمرة جوازًا، ومنها أدوات النصب التي تنصب بأن مضمرة وجوبا، ونبدأ بالأخيرة وهي التي تنصب بأن مضمرة وجوبًا، والمعروف أنها خمسة أحرف؛ أولها:
- حتى: وهي من النواصب ومعناها التعليل أو ذكر السبب والغاية أو المنتهى، والغاية هنا تعني بالضرورة أن ما يسبقها ينقضي بحصول ما يلحقها أو يأتي بعدها، ومثالها قوله – تعالى: “لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجعَ إلينا موسى”
وأما إفادة حتى للتعليل فتعني أن ما يأتي قبلها يكون سببًا لحدوث الفعل بعدها، ومثالها قول الفدائي لأخيه: قاتلْ حتى تنتصرَ.
- لام الجحود، وهي حرف من لوازمه أن يسبقه كون منفي، والكون المنفي هو الفعل كان أو يكون مسبوقًا بما أو لم؛ أو: ما كانَ، ولم يكنْ.
والأمثلة عليها في القرآن كثيرة؛ منها قوله – تعالى: “وما كان الله ليعذبَهم وأنت فيهم”، وقوله – تعالى: “وما كان ربك ليهلكَ القرى بظلم وأهلها مصلحون”، وقوله – تعالى: “لم يكن الله ليغفرَ لهم ولا ليهديهم طريقًا”.
- أو: ولكي يعمل هذا الحرف النصب بأن مضمرة فهناك شرط، وهو أن يكون بمعنى (إلى) أو بمعنى (إلَّا)؛ فالأولى تفيد أن ما يأتي بعدها يمر شيئًا فشيئًا ومثال معنى (إلى) قول الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أدركَ المنى
فما انقادت الآمال إلا لصـــــــابـر
ومعنى (إلَّا) أن ما يأتي بعدها يمر بشكل كامل دفعة واحدة، ومثالها: (لأقاتلنَّ المحتل أو يرحلَ).
- فاء السببية وواو المعية، وهما أداتان من أدوات النصب التي تنصب بأن مضمرة وجوبًا، بشرط أن تقع كل واحدة منهما في جواب لطلب أو نفي: أما الأخير فمثاله قول الله – تعالى: “لا يقضى عليهم فيموتوا”، وأما وقوعها في الطلب فيتمثل هذا الطلب في ثمانية أساليب: أمر ودعاء ونهي واستفهام وعرض وتحضيض وتمنٍّ ورجاء، وهي كما يأتي توضيحها:
- الأمر: يكون طلبًا من الأعلى للأدنى أو ممن له حق على المأمور كقول المؤدب لتلميذه: احفظ فتفقهَ أو وتفقهَ.
- الدعاء: يكون طلبًا من العبد للمعبود؛ كقول الداعي: (اللهم تب علي فأتوبَ أو وأتوبَ).
- النهي: وهو طلب الكف عن فعل شيء؛ كقول المعلم لتلميذه أو الأب لولده: (لا تهمل دروسك فترسبَ أو وترسبَ).
- الاستفهام: وهو طلب استفسار عن شيء بواحدة من أدوات خاصة بالاستفهام تسمى أدوات الاستفهام أو أسماء الاستفهام؛ كسؤالك: هل ذاكرت دروسك فأراجعَها لك أو وأراجعَها لك؟
- العرض: هو طلب بلطف ورفق؛ ومثاله قولك للضيف: ألا تجلس فنطعمَك أو ونطعمَك.
- التحضيض: وهو طلب مشفوع بحثٍّ وشدة؛ ومثاله قول الوالد لولده: هلَّا ذاكرت دروسك فيكرمَك معلمك أو ويكرمَك معلمك.
- التمني: وهو طلب شيء غير ممكن الحدوث أو فيه صعوبة شديدة تحول دون إيقاعه؛ كقول الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يومًا … فأخبرَه بما فعل المشيبُ
- الرجاء: وهو طلب حدوث شيءٍ ممكن قريب؛ كقول الطبيب للمريض: لعل الله أن يشفيَك فتخرجَ من المستشفى.
أما أدوات النصب التي تنصب المضارع بأن مضمرة جوازًا فهو حرف واحد هو لام التعليل أو لام كي، ومثاله قول الله – تعالى: “ليغفرَ لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر”.
والآن ..