مع تطوُّر اللغة العربية وإضافتنا إليها بكثير من المصطلحات الملائمة للعصر الذي نعيشه، وخاصة أن مفردات اللغة العربية تفوق بكثير مفردات أي لغة من لغات العالم, فإن الفرق هو أننا نحن العرب نُقصر توظيف اللغة العربية على مجموعة محدودة من الكلمات، فنعيد ونكرر استخدامها دون أن نبذل جهدًا في البحث في كنز اللغة العربية (لغة القرآن الكريم)، فلو بحثنا لوجدنا فيه كل المفردات التي يحتاج إليها أي باحث أو كاتب أو مفكر لتطوير لغة خطابه أينما كان أولاً, من ثم نبدأ بالنظر في محاولة تعريب العلوم بعد ذلك, فلا يصح قول هذا قبل ذلك, وإلا نكون قد وضعنا الحصان أمام العربة كعادة العرب في هذا الزمان, وإن كنا نحن العرب من اخترع أول الزمان تلك العربة نفسها, فعلينا أولاً أن نصنع العلوم الحديثة ونطورها فتكون عربية خالصة ينقلها عنَّا العالم فيترجمها ونصدر نحن العلوم (مثلما كان الحال في عصور النهضة عند العرب) بدلاً من أن نستوردها ونبحث كيف نسن لها الدساتير لكي نعربها، ولذلك يجب ألا ننسى ما قاله من قديم الزمان عميد الأدب العربي أستاذ الأجيال الدكتور طه حسين، إن لغتنا العربية نحن نملكها كما كان القدماء يملكونها, ولنا أن نغير فيها كما كانوا يغيرونها. فلا تعريب للعلوم دون تطوير لعقولنا ثم للغة.
صعوبات الترجمة من الإنجليزية إلى العربية
إن أغلب الصعوبات والمشكلات في الترجمة من الإنجليزية إلى العربية هي من حقيقة أن المعادل من حيث المعنى في اللغة المنقول إليها، حيث إن تلك الصعوبة توجد في عملية نقل أو توصيل نفس الرسالة المكتوبة في اللغة المصدر، أو عندما يصبح النص اللغوي الذي يتعرض لترجمة الرسالة في اللغة المصدر مختلفًا أو غير كافٍ عن ذلك الموجود في اللغة المنقول إليها، وخاصة إذا كانت المعلومات والثقافة والافتراضات المشتركة التي تكون بين القارئ والناقل مختلفة، والأكثر تعقيدًا أيضًا عن ما تكون اللغتان تختلفان تمامًا من الناحية الثقافية مثل اللغتين الإنجليزية والعربية؛ ذلك أنه ليس من السهل الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، أو العكس، نظرًا لاختلاف بنية وتركيب كل من اللغتين تمامًا عن بعضهما وثقافة كلا المجتمعين.
فاللغة العربية مليئة بالاختلافات الدقيقة، وتمتاز كل من المصطلحات والأسماء والأفعال فيها بالمرونة، وتبدأ المشكلات لدى المترجم هنا عند عدم القابلية للترجمة، حينها يكون من المستحيل إيجاد خصائص معادلة من الناحية الوظيفية للحالة المعروضة في نص اللغة المصدر لكي يمكن نقلها إلى المعنى السياقي في نص اللغة المنقول إليها.
ولتوضيح ذلك بشكل دقيق، ننظر إلى المثال التالي، فاللغة الإنجليزية تقول:
My father is a teacher
ويقابلها في اللغة العربية: أبى معلم.
وتبدأ الصعوبة في الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، وبالعكس، في اختيار المعنى المناسب أو تحديد طبيعة استخدام الكلمة أو إيجاد الفرق بين المذكر والمؤنث، أو تمييز العدد، سواء كان مفردًا أم مثنى أم جمعًا أو إيجاد الصيغة المعادلة للفعل، وما إلى ذلك من اختلافات، وهي أمور تجعل من الصعب في بعض الأحيان اختيار المعادل الصحيح. ويساعد الإلمام الجيد بخصائص وصفات وقواعد كل من اللغتين العربية والإنجليزية في تسهيل عملية التوصل إلى الترجمة الصحيحة والجيدة. وهي أمور نناقشها تفصيلاً فيما يلي، على أن نضع في اعتبارنا دائمًا أن الترجمة هي عملية سهلة، ولكنها في غاية التعقيد في ذات الوقت. وهكذا فيعتبر "كل شيء قابلاً للترجمة ولا شيء يقبل الترجمة".
وذلك لأنه لا يمكن الترجمة دون أن يتم تعريض اللغة لعنف اللغة الأجنبية المترجَم عنها، خصوصًا حين تتم الترجمة من لغة مغايرة عن سياقاتها الأساسية التأويلية ومعجمها وتركيب أسلوبها اللساني والنحوي للغة الترجمة. هنا بالذات، وكما قال والتر بنيامين، إن مهمة المترجم هي أن يترك بذرة اللغة تنضج على مهل. ليست الترجمة مسألة بسيطة أبدًا، لأنها ترتبط بمناطق فكرية ووجودية وبممارسات جماعية وذاتية، لأنها هجرة للنصوص من لغة إلى أخرى، تمامًا كما هي هجرة للذوات والجماعات من مناطق وجودية وفكرية إلى مناطق أخرى مغايرة. وحين يهاجر النص، يفقد لسانه.
لقد أوضحت وأنجزت الحداثة الغربية تقسيمًا للعلوم الإنسانية، ومنحت فيه الترجمة موقعًا داخله، لأن هذه الحداثة أنبأت عن صراع طبقي لا نهائي بين جماعات بشرية وقوميات، يوازيه صراع لغوي بين الثقافات وسنَن لسانية متنوعة، كل واحدة تسعى لأخذ حصتها داخل «السوق» اللغوية والثقافية الدولية، عبر التنافس الشديد من أجل إثبات الذات لأهل تلك اللغة في النطاق الثقافي العالمي. وتتموقع الترجمة هنا في نقطة الربط بين ما هو داخلي خاص بجماعة بشرية محددة، وما هو خارجي يربطها بجماعات ثقافية وبشرية أخرى، انطلاقًا من المبادئ المتناقضة التي تتحكَّم في مسألة السيادة الوطنية، من جهة، وفي السوق، من جهة أخرى. ويبرز هنا منطق السيادة داخل بنية محددة للمعرفة، لأن هذا المنطق متعلق بشرعيته.