عند الحديث عن الفرق بين النص الأدبي والنص المترجم يتطلب منَّا أولاً قراءة النص الأصلي الأدبي بعناية ومعرفة المغزى منه والعناصر الأساسية التي بُني عليها، وبعد ذلك نقرأ النص المترجم لهذا النص الأدبي، ونكرر نفس تلك الخطوات من قراءة وبحث وتحليل، ومن ثم نبدأ في مرحلة المقارنة بين النصين لكي نحكم على أن المترجم قد أصاب أم أخطأ، لكن كيف نحكم على النص المترجم ما إن كان جيدًا أم لا؟
على النص المترجم أن يكون أدبيًّا، أي به جزء من الإبداع الأدبي، كما في النص الأصلي دون الخلل بالعناصر الأساسية التي بُني عليها النص الأصلي، وأن يتضمن قيمًا أدبيةً موازيةً للنص الأصلي، وعليه يكون من الضروري للمترجم أن يكون لديه حس إبداعي أدبي وليس فقط أن يكون مجرد متمكن من لغتين، مع احترامنا لهذا التمكن، فلن يسعفه التمكن من اللغتين في الإتيان بترجمة أدبية إذا أراد المترجم لترجمته أن تكون أدبية، فعليه أن يبدع شيئًا، ويقرأ في الأدب، وبالتالي يمكن أن يضاف إلى تراث أمته الأدبي ويدون باسمه كأديب ومترجم.
وعلى سبيل المثال عند ترجمة رواية ما أو أي عمل أدبي يجب أن تُعرف معلومات كافية عن مؤلفها والعصر الذي دُوِّنت فيه واللغة الدارجة في ذلك العصر ومفرداتها المختلفة، ومن ثم آخر خطوة هي تحويل المفردات إلى اللغة المرادة الترجمة إليها، ومن هنا يتكون لدينا نص أدبي مترجم به شيء من الإبداع.
ترجمة الكلمات بين اليسر والعسر!
كلما تقدَّم العمل وازدادت خبرة المترجم تزداد لديه القناعة بأن كل المفردات التي استخدمها طيلة عمله تحمل في باطنها معاني فنية محددة، تعبر عن حضارة الشعب الذي يستعملها وليس لها ما يقابلها تمامًا في أي لغة أخرى، وهذا ما يجعل المترجم دائمًا البحث على كلمات جديدة للبحث عن معانٍ لم يتطرق إليها من قبل.
ولذلك عند الترجمة الأدبية يفضل دائمًا الاستعانة بالقواميس والمعاجم المختلفة حتى نصل إلى الفهم الكامل لمحتوى النص، والاعتماد على الأسس الثلاثة التي تقوم عليها الترجمة، والتي منها إضافة المتعة للنص المترجم، وإذا استعرضنا معايير ت. آس إليوت فإن الترجمة هي مسألة التمكن من إدراك أن العبارة أو الجملة هي في موضعها الصحيح، وحتى إن كانت ترجمة فورية سريعة، فإن على المترجم أن يقاوم رغبته في إضافة أسلوبه الخاص واستعراض خبرته دون أي داعٍ.
إن الاختلاف والتنوع بين اللغات يقفان حاجزًا في طريق التفاهم والاتصال اللغوي لدى الشعوب، وإنه من المستحيل أو حتى أن نفترض عدم وجود أي فروق بين اللغات التي يتحدث بها الشعوب حول العالم، فذلك معناه أن المواطن الإنجليزي يفهم اللغة الصينية أو لغة الإسكيمو بالسهولة التي يفهم بها الإنجليزية، وبما أن الواقع ينفي ذلك تمامًا لأن بالتأكيد اللغات هي من تصنع حواجز بين من يتكلمون لغات مختلفة في الدول المختلفة، ولهذا فإن مهمة الترجمة الأساسية هي تجاوز هذه الحواجز والنفاذ من خلالها وزيادة التواصل والتبادل الثقافي بين الشعوب.
وتُعتبر الترجمة هي الجملة التي لا يمكن أن تتم إلا بعد تحديد هويتها وموقعها في إطار لغوي وثقافي محدد، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن فكرة الترجمة مبنية على فكرة أن اللغات تتكون من أجهزة ذات أنظمة معينة تستوجب من المترجم البحث في كل لغة عما يقابلها في اللغة الأخرى، ثم يبادر إلى البحث عن العبارة التي تؤدي الغرض نفسه بعد التأكد من موقعها في كلتا اللغتين، مع شرط أن تكتب بشكل إبداعي لا يقل عن إبداع النص الأصلي.
أهمية دور الترجمة المستقبلي:
في إحدى الندوات التي تقعد دائمًا عن الترجمة تم لفت الانتباه إلى ظواهر التي تسبِّب القلق، والتي أخذت تظهر على السطح منذ بدأت عملية التهميش الراهنة للأمة العربية وثقافتها، ولماذا لا تتم ترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى اللغة الإنجليزية وتصديرها إلى دول الغرب لنشر ثقافتنا وآدابنا، كما كان يُفعل في السابق، بل في العصور الماضية كان يأتي إلينا المترجمون الأجانب، كما كان في عصر الأندلس، كان يتعلمون من الفيلسوف العربي ابن رشد، وينقلون عنه وعن السلف أعمالهم الأدبية بلغتهم الأجنبية، ولكن بما أن الوضع تغيَّر الآن فلماذا لا نقوم نحن بترجمة كتبنا إلى الأجنبية وطرحها في السوق الغربي، وهي مجرد محاولة لإعادة أمجادنا السابقة.
ولذلك نحن نرى أن دور الترجمة أصبح تجديديًّا هامًّا في الثقافة المستقبلية للشعوب العالم العربي، فهي تنقل الثقافات الغربية بمختلف أنماطها وأشكالها وأنواعها وتيارات واتجاهات العالم الغربي التي لم نعرفها من قبل ذلك، ومن ثم تتشكل تلك الثقافات المختلفة في وجداننا، فنأخذ الجيد منها نطبقه في حياتنا، ما يساهم بشكل واضح في النهوض بمجتمعاتنا العربية وعلومها، بالإضافة أيضًا إلى أن ذلك يعمل على تأصيل ثقافتنا، ولكن مع مزج تلك الثقافات المكتسبة بشكل يليق بمجتمعنا.