يعتمد العلمُ على الحقائق والأرقام التى يُمكن قياسها والتأكُّد من مدى صحَّتها بطريقةٍ أو بأخرى، مثل التجارب العلمية، أو العمليات الرياضية، التى إذا أجراها أشخاص مختلفون فسوف يحصلون على نفس النتائج، أما التَّرجمة فإن نفس قطعة التَّرجمة يترجمها عديد من الناس، وسوف تجد اختلافًا كبيرًا بين كل نسخة وأخرى، ومع ذلك لا يمكن أن نجزم بأن قطعة ترجمة وحيدة هي الصحيحة، والباقي كله خطأ، ولكن تتفاوت الدرجات التَّرجمة بين بعضها بعضًا، فيمكننا أن نقول إن هذه التَّرجمة ممتازة، وأخرى ترجمة متوسطة، والأخرى ترجمة ضعيفة.
وهذا إن دل فإنما يدل على أن التَّرجمة ليست فنًّا خالصًا لأن الفنان الخالص ليس عليه قيود أو حدود يجب الالتزام بها في فنه، بل يطلق العنان لإبداعه، أما المترجم فيكون ملتزمًا بالنص الذي هو نتاج كتابة مُحتوى إبداعي للكاتب، وهو هنا دوره أن ينقل أفكار الكاتب بنفس أسلوبه وروحه بأمانة وسلاسة ولغة مفهومة، وهذا لأن التَّرجمة ليست علمًا محضًا ولا فنًا خالصًا، بل هي فن تطبيقي تحتاج لممارسة والتدريب والجهد.
وبما أن التَّرجمة فن تطبيقي، أي حرفة، فإن محاولة أن تتحول إلى شيء آلي، أي من خلال البرامج الإلكترونية، التى مهما وصلت سعتها فلن تصل إلى سعة العقل البشري، مهما استخدمت فيها أحدث أساليب الذكاء الصناعي مع توفير قاعدة بيانات الهائلة، ومع ذلك بدأ ظهور بعض البرامج الإلكترونية التي تبشر بذلك، ولكنها تظل منقوصة، ويمكن للمترجم أن يعتمد عليها كمسودات يحذف منها أو يزيد عليها ما يشاء، حتى يصل إلى التَّرجمة الأقرب إلى الصواب، لكن يجب أن لا يعتمد عليها اعتمادًا كليًا.
ومع ذلك نجد المترجمين في هذه الأيام تركوا أدواتهم التقليدية التي اعتمد عليها كبار المترجمين القُدامى من القلم الرصاص والمِمحاة والورقة في التَّرجمة، ولجأوا إلى البرامج الإلكترونية، مع استخدام القواميس ثنائية اللغة أو أحادية اللغة، من ثم استخدام برامج تنسيق الكلمات، وواحدة من أهم مميزات هذه البرامج أنها تُصحح هجاء الكلمات، وهذه من أكثر الأخطاء الشائعة عند المترجمين، وتحدث دائمًا إما عن قلة التركيز، أو من السرعة الزائدة.
قواعد التَّرجمة
ليست هناك قواعد للترجمة بالمعنى الحرفي، لكنها مجموعة من الملاحظات التي استخلصها بعض المترجمين المحترفين من مواجهة بعض الصعوبات التي تعرضوا لها خلال ترجمتهم للنصوص المختلفة، وكما ذكرنا سابقًا بأن التَّرجمة ليست علمًا خالصًا، ولا فنًا مطلقًا، ولكنها فن تطبيقي يحتاج إلى تدريب متواصل مع وجود الموهبة والطابع الخاص لدى المترجم، بجانب الجزء العلمي من خلال معرفته باللغتين وثقافته الواسعة في المجال الذي يترجمه، لأن التَّرجمة من لغة إلى أخرى لها صعوبات خاصة عند إذا ما ترجمناها إلى لغة ثالثة أخرى، وترجع هذه الصعوبات إلى اختلاف التركيب اللغوي وبناء العبارات والجمل من لغة إلى أخرى، كما أن اختلاف دلالة الألفاظ بين اللغات يؤدِّي إلى حدوث هذه الاختلافات التي تجب مراعاتها، فلا يوجد تطابق تام بين معاني ألفاظ لغة ومعاني ألفاظ لغة أخرى، وذلك يرجع إلى اختلاف ثقافات البلاد بين أهلي هاتين اللغتين، واختلاف طريقة التفكير وعادات ومعتقدات هاتين الفئتين، وكل هذه الصعوبات التي تواجه المترجم تأخذ حيزًا كبيرًا من التفكير فى كيفية حلها والتغلُّب عليها.
وحتى يصل إلى الطريقة الأمثل التي تمكنه من الوصول إلى نفس المعنى المرجو وروح وأسلوب الكاتب التي كان يريد أن يوصلها إلى القراء أو المتلقي بشكل عام، سواء الذي من لغته، أو ذلك المتحدث بغير لغته، ولهذا التَّرجمة هي من أكثر المهن التي تتطلب الأمانة، فالمترجم هنا حامل لأفكار معينة إلى أن يوصلها بلغة أخرى بنفس ما تحتوي من معنى دون تحريف أو تبديل او أخذ الأفكار إلى منحى شخصي لمعتقدات وآراء المترجم.
ومن هنا تم تقسيم الصعوبات التي تواجه المترجم إلى الآتي:
-
صعوبات خاصة بنقل المفردات والألفاظ من لغة إلى أخرى.
-
صعوبات خاصة بتراكيب وأسلوب الجملة.
ولأن هذين الأمرين يختلطان كثيرًا على البعض فسوف نشرح كلًّا منها بشكل مُبسَّط:
أولًا: الألفاظ والمفردات تكتسب معناها من سياق النص الذي توجد فيه، وهنا يقوم المترجم باسترجاع المعاني المحتملة لهذه الكلمة، وفي حالة أنه وجد أنها لا تطابق النص، فإنه هنا يُفضَّل أن يرجع إلى القاموس لأنه قد يجد لها معنى آخر أكثر ملاءمة للنص، أما إذا لم يجد أيضًا لها معنى مناسبًا فهذا هو الذي يُميز مترجمًا عن غيره، ويعتمد بالتالي على مدى إبداعه في استلهام معنى مناسب لها يتماشى مع سياق مُحتوى النص.
ثانيًا: التراكيب تتغيَّر في اللغة الإنجليزية بمرور الوقت وتقابلها اللغة بشكل كبير، حيث قد تجد كثيرًا من ألفاظ العامية فى الكتابات الرسمية والكتب الأدبية الحديثة، وهذا ما قد يزعج المترجم كثيرًا، وخاصة في حالة ترجمة المقالات، لأن في اللغة العربية هذا أمر نادر الحدوث، فالأغلب يلتزم بتراكيب وأساليب اللغة الرسمية، ولهذا يُفترض على المترجم متابعة المُحتوى الأجنبى الثقافي من خلال المقالات الإنجليزية بشكل متواصل.