تعدُّد النصوص التي تُترجم إلى اللغة العربية واحدةٌ من أهم القضايا المطروحة في العالم العربي، التي تلفت انتباه كثير من الطلاب دارسي الترجمة، وهى أنه توجد عدة ترجمات مختلفة لنفس النص الواحد وتظهر في بلدان مختلفة تتفاوت درجة اختلافها عن بعض ببعد أو قرب المسافة بينها وفي أوقات مختلفة، ولكن تلك الترجمات رغم تعدُّدها وأن مترجميها من ثقافات مختلفة، فإنها لا تختلف كثيرًا عن النص الأصلي؛ نظرًا لأن المترجم هنا ينقل المحتوى من لغة إلى أخرى، ولكن الاختلاف هنا يكون بسبب تفاوت درجة إتقان وثقافة المترجمين، فإن المترجم يقوم بتمصير النص، أي يترجمه باللغة المصرية العامية مثل مسرحيات شكسبير وغيرها، فيستخدم ألفاظًا عامة مصرية دارجة ويختار أسماء لشخصيات من الأسماء المصرية المعروفة، ولكن يظل المحتوى كما هو، سواء تم تمصيره، أو أنه كتب بأي لهجة كانت شامية أو خليجية أو مغربية.. إلخ.
وهو أمر مقبول إلى حد ما إن لم يحرف النص الأصلي، لأنه في بعض الأحيان تكون الترجمة مكتوبة من مائتي سنة قد لا تصلح للاستخدام الآن، نظرًا للتطور الكبير الذي حدث في مجال الترجمة، كما أن الألفاظ التي قد تكون كتبت بها غير دارجة الآن، لهذا يُحتم وجود ترجمة أخرى أكثر دقة ووضوحًا، لكن قد يكون الأمر مبالغًا فيه، كما حدث في رواية روميو وجوليت التي قد ترجمت إلى سبع ترجمات وبينها أوقات متقاربة، ما يجعله أمرًا غير مقبول نوعًا ما.
وهذه الظاهرة تتطلب منا أن نقف لدراسة هذا الأمر ومحاولة لمعرفة أسبابه وما الذي أدى إلى ذلك؟ وهي كالآتي:
-
عدم وجود رابطة أو هيئة تضم المترجمين من جميع أنحاء الوطن العربي بحيث يسجل فيها ما قام به كل مترجم من ترجمة، حتى لا يقوم مترجم آخر بترجمة نفس العمل ويصاب بالإحباط عند علمه أنه ترجم من قبل وأن جهده لم يضف شيئًا جديدًا، فبفضل وجود الرابطة يمكنه منها انتقاء عمل جديد لم يترجم من قبل، وبهذا يزداد الإنتاج في مجال الترجمة، ويضاف إلى تاريخه ووجود الرابطة هنا لتنظيم العمل وليس لهدف رفاهي.
-
قلة استخدام وسائل الاتصالات بين المترجمين على الرغم من تنوعها وتوافر للجميع، وبالتالي يصبح مترجمو الشرق لا يعرفون شيئًا عن مترجمي الغرب، وبذلك الأفضل هو وجود هيئات اتصال لزيادة التواصل بينهم أو من خلال وجود رابطة في كل دولة تتحدث باسم مترجميها وأعمالهم، وتبادل الاتصال بباقي روابط الدول، وهذه من الحلول الرخيصة والسهل توافرها للمساعدة على معرفة أحدث أعمالهم وذلك لتجنب التكرار.
ولكن مع الأسف عند إنشاء هذه الهيئات تكون تابعة لسياسات الدولة وتبدأ في اتخاذ شكل قومي، وتبعد عن الهدف الأساسي لها وهو توحيد المترجمين من أجل إثراء حركة الترجمة في الوطن العربي.
-
عدم وجود ببليوجرافيا للأعمال المترجمة إلى اللغة العربية التي بدورها تسجيل الأعمال التي ترجمت والأعمال التي لم تترجم في الوطن العربي، ما يسهل من عملية البحث التي يقوم بها المترجم في البحث عن عمل جديد لم يترجم من قبل وحتى لا يقوم بترجمة عمل ترجمته بالفعل ويضيع المجهود هباءً.
دور الببليوجرافيا هو:
يعتمد بشكل كبير على دور الأفراد والجهود التي يبذلونها في نطاق العمل الواحد تحت منظومة واحدة هدفها في النهاية حصد ورصد الأعمال، التي تمت ترجمتها في جميع أنحاء العالم العربي من ثم يتم تبادل هذه الببليوجرافيا بين الدول من خلال هيئاتها والجهات المهتمة والمشتغلة بأمر الترجمة، وهى التي تكون تحت رقابة معاهد وكليات اللغات والترجمة، ويتم تحديثها أولاً بأول، وهو الأمر الذي لا يأخذ كثيرًا من الجهد، وأيضًا المال والذي بدوره يوفر كثيرًا من العناء على العاملين بمجال الترجمة.
ومن الملاحظ أن التعددية في الترجمة تكون أكثر في الأعمال الأدبية، وتكاد تكون منعدمة في الأعمال العلمية، وهذا لأن النص العلمي لا يحتمل الإضافة أو استخدام الألفاظ مختلفة عن النص الأصلي، لأن ذلك يعتبر خطأ فادحًا، وقد يؤدي إلى نتائج سيئة للغاية، ومن هذا المنطلق يتوجه معظم المترجمين العرب إلى الترجمة الأدبية، لأنه يعطي لهم مساحة من الإبداع في استخدام المترادفات التي قد تكون في بعض الأحيان أفضل من النص الأصلي، ما جعل أغلب الأعمال المترجمة هي نصوص أدبية، وجعل كثيرًا من أساتذة العلوم اتجهوا لترجمة الأعمال العلمية بأنفسهم، من أجل ترجمة الأعمال التي يدرسونها إلى طلابهم وتكون مرجعًا لهم، ولكن ليست الأساس التي يدرسونه منه، وذلك لعدم دقتها لأنهم أيضًا ليسوا متخصصين في الترجمة، وهذا ما جعل انقسام العاملين في مجال الترجمة إلى فريق من العلماء وفريق من الأدباء، وهذا ما أدى إلى خلق منهج جديد في الترجمة، هو أنه يفترض على أي مترجم سوف يقوم بترجمة نص ما أن يكون دارسًا بمجال محتوى النص جيدًا حتى لا يرتكب أخطاء فادحة.