ما زلنا مع موضوعنا الذي تحدَّثنا عنه في المقالين السابقين، وهو الصعوبات التي تواجه المترجم أثناء ترجمة النصوص الأدبية، وقد تحدَّثنا عن مدى صعوبة الترجمة الأدبية ونصوصها وأنواعها المختلفة، مثل الشعر، وخلافه، وقد ذكرنا سابقًا أن الشعر يُعدُّ أصعب النصوص الأدبية في الترجمة، ومن هنا سوف نستكمل حديثنا بشكل أكثر دقة وتوضيحًا عن تلك الصعوبات وكيفية حلها كالتالي:
فمثلاً مع استخدام التعبيرات المجازية بطريقة متكررة في أحاديثنا الدارجة اليومية، قد يتسبَّب ذلك في أن تفقد الكلمة معناها الأصلي بحكم مرور الزمن وتعاقب الأجيال، مثل كلمة تناحرات حزبية، والتي معناها نزاع.
أما بخصوص الشعر فإن تلك التراكيب البلاغية الواردة في النصوص الشعرية الإنجليزية تسمَّى التكرار، وينقسم إلى عدة أنواع منها:
-
التكرار المباشر: وهو تكرار الألفاظ بصورة مباشرة دون فاصل في العبارة الواحدة.
والتي يستطيع المترجم بها أن يقدم المثيل التراكيبي مع مراعاة النص العربي الذي قد لا يحتمل في صياغاته الجمالية تكرارات متعددة.
– تكرار العبارة أو الكلمة مع فاصل بينهما، ومن أمثلته:
«confounding oath on oath».
ويأتي جمال هذا التعبير للكاتب العالمي شكسبير كما يقر بذلك علماء البلاغة ليس في تكرار بعض ألفاظه، وإنما يرجع السبب إلى جمال الجرس الذي تؤكده الحيل العروضية التي هي عبارة تتابع لحرف العلة وحرف النون الساكن، فالتكرار هنا له وظيفة صوتية.
«a million fail confounding oath on oath».
أما في هذا التعبير فيجب على المترجم أن ينقل المماثل الصوتي كما هو ويتجاهل التكرار فيصوغ التعبير كالآتي:
(يخون مليون محب، ويحنثون في أيمانهم).
فهكذا تكون الترجمة في اللغة العربية لهذه العبارة وكما نرى اختفاء التكرار تمامًا.
ومن أنواع التكرار أيضًا، التكرار في البداية والنهاية، وتندرج ضمنه أنواع ثلاثة:
أولاً: أن يأتي في بداية السطر وفي نهايته، مثل:
«weigh oath with oath and you will nothing weigh».
ومن المستحيل هنا أن ذلك الإخراج يكون بنفس الصورة في اللغة العربية، نظرًا لاختلاف التراكيب بين اللغتين، وبسبب تغيُّر صورة المضارع في العربية عنه في صيغة الأمر، بينما تتفق الصيغتان في الإنجليزية، ولذلك فقد يفضل في هذه الحالة إيراد المقابل بدلاً من المثيل تكون ترجمت إلى ما أهو أقرب إليها في المعنى الضمني، وتصبح:
(لا تضع في الميزان قَسمًا أمام قسمْ، وإلا كنت تزِنُ العدمْ).
الباب الثاني: هو الانتهاء بنفس الكلمة في شطرين متعاقبين:
«i love thee not therefore pursue me not».
الباب الثالث: هو أن يكون آخر كلمة في السطر بداية لسطر جديد؛ كأن يقول المُحاور:
«then be content».
ويتم المحاور الآخر الكلام مضمنًّا كلامه نفس الكلمة في بداية الجملة:
«content with hermia؟».
وهنا لا بُدَّ من التغيير أيضًا، فيصاغ التعبير كالآتي:
ـــ ولك إذن أن تسعد.
ـــ أسعد بهيرميا؟
والباب الرابع: هو تماثل بدايات السطور المتعاقبة:
I swear to thee by Cupid’s strongest bow,»
By his best arrow with the golden head,
By the simplicity of Venus doves,
«By that which knitteth souls and prospers loves,
أُقسم لك بأقواس كيوبيد..
وأفضل سهامه ذي النصل الذهبي..
وبراءة حمامات فينوس..
وبالقوة التي تربط الأرواح وتُسعد الأحبَّة..
فقد يضحِّي المترجم بحرف الباء الذي يفيد القسم، لكنه لن يضحِّي بالقسم في ذاته.
أما النوع الثالث فهو التكرار مع عكس بناء الجملة، أي عكس بناء ترتيب الكلمات في السطر مثل:
Of thy misprision must perforce ensue»
« Some true love turn d and not a false turn d true.
«وسوف يؤدي خطؤك ولا شك إلى خيانة حبيب مخلص، لا إلى إخلاص حبيب خائن».
:HERMIA
«I wish my father could see them with my eyes.»
:THESEUS
«Rather your eyes must with his judgment look.»
– هيرميا: ليت والدي ينظر بعيني.
– ثيسيوس: بل الأحرى أن تنظر عيناك بحكمته.
النوع الرابع هو التوازي أو المقابلة بين الكلمات سواء كان ذلك في إطار التماثل في الطول أم سواه.
you both are rivals and love hermia»
«and now both rivals to mock helena.
إنكما تتنافسان في حب هيرميا
وتتنافسان الآن في السخرية من هيلينا.
والنوع الخامس: هو تكرار جذر الكلمة دون معناها، أي تكرار صورها النحوية والصرفية، بحيث تومئ الثانية إلى الأولى:
«i follow d fast. but faster he did fly».
أسرعت في أثره، ولكنه كان أسرع في فراره.10
لذلك اعتبره دكتور محمد عناني في كتابه فن الترجمة أنه من أهم الأسباب التي تجعل نقل التراكيب والحيل البلاغية عملاً صعبًا وشاقًّا، وهو ارتباطها الجوهري بالدراما التي لم يعرفها العرب في القديم، وأيضًا النظم التي توجد في التراكيب اللغوية هي من الصعوبات التي تواجه المترجم، فتجعل المترجم في تردد دائم في رأيه ويحتار بين تحديد ما يترجم من الأدب نثرًا، وما يترجم نظمًا، ثم ما يترجم نظمًا حرًّا، وما يترجم نظمًا عموديًّا مُقفَّى.
وكما يرى د. عناني أنه من الأصلح أن يترجم كل ما هو منظوم مُقفَّى مثل الأناشيد والموسيقى في المسرحية إلى نظم عربي مُقفَّى، والأغاني مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالبناء الدرامي للمعنى العام، لكنها مستقلة في جوهرها الشكلي.
يتبع …